ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال:((كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر مابعدكم، وحكم مابينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى
ــ أي لا يزول رونقه، ولذة قراءته واستماعه عن كثرة ترداده علي السنة التالين، وتكراره علي آذان المستمعين، علي خلاف ما هو كلام المخلوقين.
((مظ)) في قوله: ((من تركه من جبار)) إشارة إلي أن من ترك العمل بآية أو بكلمة من القرآن ما يجب به العمل، أو ترك قراءتها من الكبر يكون كافراً، ومن تركه من العجز والضعف والكسل مع اعتقاد تعظيمهم فلا إثم عليه. و ((الباء)) في قوله ((لا تزيغ به سببيه، أي لا يميل بسببه اهل الاهواء، يعنى لا يصير بالقرآن أحد مبتدعاً، وضالا، بل يصير مهتدياً، راشداً. ويحتمل أن يكون للتعدية، أي لا يزيغه أهل الاهواء، يعنى لا يقدر أهل الأهواء علي تبديله وتغييره. وذلك إشارة إلي تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين. وقيل: معنى ((لا تلتبس به الالسنة)) لا يتعسر علي ألسنة اهل اللغات المختلفة، بل يتيسر ويسهل عليهم تلاوته.
وأقول: همزة الإنكار والواو العاطفة قى قوله: ((أو قد قعلوا)) يستدعيان فعلا منكرا معطوفاً عليه، أي ارتكبوا هذه الشنعاء، وخاضوا في الأباطيل؟ والضمير في قوله:((إنها)) للقصة و ((ستكون)) بيان لها.
وقوله:((نبأ ما قبلكم)):خص النبأ بالاخبار الماضية. والخبر بالأحوال الآتية، والحكم بالحال حصرًا للأزمنة كلها، وأضاف كلا من الالفاظ إلي ما يناسبه، فإن النبأ فيه معنى الإخبار الذي ينبه السامع علي أمر خطير ذهل عنه السامع قال تعالي:{وجئتك من سبإ بنبإ يقين} فإذن ناسب أن يضاف إلي الأخبار الماضية.
((غب)): النبأ خبر ذو قائدة عظيمة يحصل به علم، أو غلبة ظن، ولا يقال للخبر في الاصل نبأ، حتى يتضمن هذه الاشياء. وأما الاحوال الآتية من المغيبات، نحو هذا الحديث وأمارات الساعة، والاخبار عن الحشر والنشر وغيرها، فهي مناسبة للخبر؛ لانه يقال: أخبر عن الغيوب، ولا يقال: أنبأ، والحال يناسبها الحكم والقضاء، عرف الخبر في قوله:((وهو الفصل)) فيفيد أنه مقصور علي أن يفصل الحق عن الباطل. ((فهو جد كله)) فيكون قوله: ((وليس بالهزل)) تاكيداً لهذا المعنى، كما أن قوله تعالي {لا ريب فيه} تأكيد لقوله تعالي: {ذلك الكتاب}. فاذا كان شأنه ذلك، فمن ارتاب فيه، وتركه مستبداً برأيه غير منقاد للحق، كان معانداً جباراً. ومن تركه ولم يستبد برأيه، وابتغى الهدى في غيره كان ضالاً، فإذن يلزم أن يتحد الشرط والجزاء، يعنى من ضل عنه وطلب الهدى في غيره يورطه الله تعالي في ضلال