الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل المتين، وهو الذكر الحكيم، وهوةالصراط المستقيم؛ هو الذي لا تزيغ به الاهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع من العلماء،
ــ ليس وراءه ضلال؛ لقوله تعالي:{إنك من تدخل النار فقد أخزيته}، وقوله تعالي:{فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز)} وقولهم: من أدرك الضمان فقد أدرك المرعى، والضمان مرعى
و ((الذكر)) إن فسر بالمذكور، فالمناسب أن يؤول ((الحكيم)) بالمحكم، أي هذا الكتاب المذكور محكم آياته، ورصين ألفاظه، مصبوب في قالبى البلاغة والفصاحة، أعجز الخلق عن الإتيان بمثله. وإن فسر بالشرف والكرم، فالموافق أن يأول «الحكيم بذى الحكمة؛ لآن كون الكلام شريفاً إنما يكون باعتبار ما يتضمن فيه من الحكمة، والنكت، والمعإني الدقيقة، واللطائف الرشيقة. ثم جعله نفس الصراط المستقيم؛ لظهور بياناته الشافية لطريق الإسلام، فكأنه نفس الصراط. وقوله:((لاتزيع به الآهواء)) تقرير لهذا المعنى، وهو من باب قوله .. ولا ترى الضب بها ينحجر، أي لا زيغ ولا أهواء هناك، فلا يحرمان حول حماه فالباء في ((به)) بمعنى ((في)) كما في ((بها)) في المثال.
فإن قلت: كم من زائغ ابتغى ما تشابه منه، فضل وأضل٠ قلت: هذا الزائغ اتبع هواه في المتشابه ولم يقصد به الا فتنة الناس، ولو قصد الحق، ورد المتشابه إلي المحكم ما ضل ولاأضل، كما قال تعالي:{لا ريب فيه} وكم من مرتاب، ومعناه انه لوضوح بياناته، وسطوع براهينه، لا ينبغى أن يحوم الريب حوله، والمرتاب لقصور فهمه وقصر باعه يرتاب، فلما وصف معإنيه بما وصف من أنه لا تشوبه الاهواء والزيغ، وصف ألفاظه بقوله:((لا تلتبس به الألسنه)) من أن يدخل فيه ما ليس منه، أو يغير شىء من ألفاظه برصانته، وقوته. وروى أن اعرابياً سمع قارئاً يقرأ:{فإن زللتم من بعد جائتكم البينات فأعلموا أن الله غفور رحيم} بدل {عزيز حكيم}، فأنكر وقال: إن كان هذا كلام الله فلا يقول كذا الحكيم، لا يذكرالغفران عند الزلل؛ لانه اغراء عليه. فكما وصف معإنيه بقوله:((لا تزيغ به الاهواء)) وألفاظه بقوله: ((ولا تلتبس به الألسنة)) وصفهما بذلك في قوله: ((ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد)) فإن الشبع والطعم من الامور الباطنه، والثواب وخلافه من الظاهرة، والعريف في ((العلماء)) للعهد، والإشارة إلي قوله تعالي:{وكونوا ربإنيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون}.