٢٢٠٦ - عن جابر، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقرأ القراَن، وفينا الأعرأبي والأعجمى. قال: اقرأوا فكل حسن؛ وسيجئ أقوام يقيمونه كما يقام القدح، يتعلجونه ولا يتأجلونه)) رواه أبوداود، والبيهقى في ((شعب الإيمان)). [٢٢٠٦].
ــ
وكان صلى الله عليه وسلم أفصح الناس لهجة، واتمهم بلاغة. وقد استدرك الراوى ذلك بقوله:((والأول أصح)). والمظهر اختار هذا القول علي ماذكره أولا، إنما كان صلى الله عليه وسلم يقف علي الَاية ليتبين للمستمعين روؤس الَاية، ولو لم يكن لهذه العلة لما وقف علي {رب العالمين} ولا علي {الرحمن الرحيم}؛ لأن الوقف عليهما قطع للصفة عن الموصوفظن وهذا غير صواب.
قال صاحب الكواشى: كيف الوقف علي {الرحمن الرحيم}؟! قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقفه، ولأن ما بعده فيه معنى القوة والجبروت، وفيها بعد عن الرحمة. أقول: أراد أن معنى {مالك يوم الدين} يلتقى ومعنى قوله تعالي {لمن الملك اليوم لله الواحد القهار}. واعلم أن قوله:{رب العالمين} يشير إلي أنه تعالي مالك لذوى العلم من الملائكة، والثقلين، مدبر أمورهم ومصالحهك في الدنيا، وقوله:{مالك يوم الدين} يشير أنه متصرف فيهم في الَاخره يثيبهم ويعاقبهم علي أعمالهم، وقوله:{الرحمن الرحيم} متوسط بينهما، ولذلك قيل: رحمن الدنيا ورحيم الَاخرة، فكما جاز ذلك الوقف يجوز هذا. والنقل اولي أن يتبع. وأما قول الراوى:((والأول أصح)) فلا يوجب أن يضرب عن الثانى صفحاً. وقد قال تعالي:{كتاب فصلت اَياته}، الكشاف: فصله سوراً، وسورة اَيات.
الفصل الثالث
الحديث الأول عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((وفينا الأعرأبي والأعجمى)) يحتمل وجهين: أحدهما: أن كلهم منحصرون في هذين الصنفين، وثإنيهما: أن فينا معشر العرب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفيما بيننا تلك الطائفتان، وهذا الوجه أظهر؛ لأنه فرق بين الأعرأبي، والعربى، بمثل ما في خطبته: مهاجر ليس بأعرأبي، جعل المهاجر ضد الأعرأبي، والأعراب ساكنو البادية من العرب الذين لا يقيمون في الأمصار ولا يدخلونها الإ لحاجة. والعرب اسم لهذا الجيل المعروف من الناس، ولا واحد له من لفظه، سواء أقام بالبادية او الدن.
قوله:((فكل حسن)) أي فكل قراءة مما يقرأ أحدكم من العرب، والأعراب، والعجم حسن إذا آثرتم ثواب الَاجلة علي العاجلة، ولا عليكم أن تقيموا ألسنتكم إقامة السهم قبل أن يراش.