٢٢٠٧ - وعن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل العشق*، ولحون أهل الكتابين، وسيجىء بعدي قومٌ يرجعون بالقرآن ترجع الغناء والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم)). رواه البيهقي في ((شعب الإيمان))، ورزينٌ في ((كتابه)). [٢٢٠٧]
٢٢٠٨ - وعن البراء بن عازب [رضي الله عنه]، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((حَسِّنُوا القرآن بأصواتكم، فإن الصوت الحسن يزيدُ القرآن حُسنًا)) رواه الدارمي. [٢٢٠٨]
ــ
وسيجىء أقوام يقيمونه إلي آخره. وفيه رفع الحرج، وبناء الأمر علي المساهلة في الظاهر، وتحري الحسنة والإخلاص في العمل، والتفكر في معإني القرأن، والوص في عجائب أمره.
ذكر الشيخ أبو حامد في الإحياء أن أكثر الناس منعوا من فهم معإني القرآن لأسباب وحجب أسدلها الشيطان علي قلوبهم، فعميت عليهم عجائب أسرار القرآن، منها: أن يكون الهم منصرفًا إلي تحقيق الحروف بإخراجها من مخارجها. وهذا يتولي حفظه شيطان وكل بالقراء ليصرفهم عن معإني كلام الله، فلا يزال يحملهم علي ترديد الحروف، ويخيل إليهم أنه لم يخرج الحرف من مخرجه، فهذا يكون تأمله مقصورًا علي مخارج الحروف، فأنى تنكشف له المعإني؟ وأعظم ضحكة للشيطان من كان مطيعًا لمثل هذا التلبيس.
الحديث الثاني عن حذيفة: قوله: ((يلحون العرب)) قال صاحب جامع الأصول: اللحون والألحان جمع لحن، وهو التطريب، وترجيع الصوت، وتحسين قراءة القرآن، أو الشعر، أو الغناء. ويشبه أن يكون هذا الذي يفعله قراء زماننا بين يدي الوعاظ وفي المجالس، من اللحون الأعجمية التي يقرأون بها مما نهي عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله:((يرجعون)) الترجيع في القراءة ترديد الحروف كقراءة النصاري. ((الحناجر)) جمع الحنجرة، وهي رأس الفلصمة حيث تراه ثابتًا من خارج الحلق، و ((التجاوز)) يحتمل الصعود والحدور، والمعنى علي الصعود: لا يرفعها الله ولا يقبلها، فكأنها لم تتجاوز حلوقهم، وعلي الحدور: أن قراءتهم لا يصل أثرها إلي قلوبهم، فلا يتفكرون فيه، ولا يعملون بمقتضاه، فلا يثابون علي قراءته، ولا يحصل لهم غير بلوغ الصوت إلي الحناجر. ويؤيد المعنى الثاني قوله:((مفتونة قلوبهم)) أي مبتلي بحب الدنيا، وتحسين الناس لهم. وهي صفة أخرى بعد صفة القوم.
الحديث الثالث عن البراء: قوله: ((حسنوا القرآن بأصواتكم)) معناه ما سبق من أن المراد