للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته، ولابد له منه)). رواه البخاري

ــ

يباشرها بهذه الأعضاء، يعني ييسر عليه فيها سبيل ما يحبه، ويعصمه عن مواقعة ما يكره من إصغاء إلي اللهو يسمعه، ونظر إلي ما نهي عنه ببصره، وبطش ما لا يحل بيده، وسعي في الباطل. وقد يكون معناه سرعة إجابة في الدعاء والإنجاح في الطلبة، وذلك أن مساعي الإنسان إنما تكون بهذه الجوارح الأربع.

((تو)): معنى قوله: ((كنت سمعه)) إلي تمام الفصل، أجعل سلطان حبي غالبًا عليه، حتى يسلب عنه الاهتمام بشيء غير ما يقربه إلي، فيصير متخلفا عن الشهوات، ذاهلا عن الحظوظ واللذات، حيثما تقلب وأينما توجه لقي الله تعالي بمرأي منه وبمستمع، لا تطور حالته الغفلة، ولا تحول دون شهوده الحجبة، ولا يعتري ذكره النسيان، ولا يخطر بباله الأحداث والأعيان، يأخذ بمجامع قلبه حب الله، فلا يرى ولا يسمع ولا يفعل إلا ما يحبه، ويكون الله سبحانه في ذلك له يدا ومؤيدا وعونا ووكيلا يحمي سمعه، وبصره، ويده، ورجله عما لا يرضاه. وحقيقة هذا القول ارتهان كلية العبد بمراضي الله تعالي، وحسن رعاية الله له، وذلك علي سبيل الاتساع، فإنهم إذا أرادوا اختصاص الشيء بنوع منه، والاهتمام به، والعناية والاستغراق فيه، والفناء والوله إليه، والنزوع له، سلكوا هذا الطريق، قال:

جنوني فيك لا يخفي وناري فيك لا تخبو

فأنت السمع والنظر والمهجة والقلب

ولسلفنا من مشايخ الصوفية في هذا الباب فتوحات غيبية، وإشارات ذوقية، تهتز منها العظام البالية، غير أنها لا تصلح إلا لمن سلك سبيلهم، فعلم مشربهم، وأما غيرهم فلا يؤمن عليه عن سماعها من الأغاليط التي تهوى بصاحبها إلي مهواة الحلول والاتحاد. وتعالي الله الملك الحق عن صفات المخلوقين، ونعوت المربوبين. وحسب ذوي الألباب من شواهد هذا الباب، أن الله تبارك وتعالي لما أراد أن يقرر في قلوب السامعين عنه الواقفين معه أن عقد الميثاق مع الرسول صلى الله عليه وسلم كعقده معه، أضاف المبايعة معه إلي نفسه بآكد الألفاظ وأخص المعإني، فقال: ((إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم)).

قوله: ((وأنا أكره مساءته)) هذا آخر الحديث في كتاب البخاري والحميدي وجامع الأصول وشرح السنة وليس فيها ((فإذا أحببته)) كما في بعض نسخ المصابيح، ولا زيادة لفظة ((قبض)) عند قوله: ((عن قبض نفس المؤمن) ولا قول: ((ولابد له منه)) في آخر الحديث، والمذكورات وردت في حديث روى أنس نحوه في شرح السنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>