مخلصة عن العذاب، موصلة إلي الثواب. والخامسة: أن يكون المتكلم بها مكاشفًا بمفهومها، كأنه يعاينه بصيرته، ويشاهده بقلبه، وهذه هي المرتبة العليا، والنهاية القصوى. قال الشيخ أبو القاسم: فالأهل الإشارة: إذا كان مخلصًا في مقالته، كان داخلا في الجنة في حالته، قال تعالي {ولمن خاف مقام ربه جنتان} قيل: جنة معجلة، وهي حلأوة الطاعات، ولذة المناجاة، والاستئناس بقبول المكاشفات، وجنة مؤجلة، وهي قبول المثوبات، وعلو الدرجات.
((الرحمن الرحيم)) اسمان بنيا للمبالغة من رحم، كالغضبان من غضب، والعليم من علم، والرحمة في اللغة رقة القلب وانعطاف، يقتضى التفضيل والإحسان علي من رق له. وأسماء الله تعالي وصفاته إنما تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادئ التي تكون انفعالات، فرحمة الله علي العباد إما إرادة الإنعام عليهم، ودفع الضرر عنهم، فيكون الاسمان من صفات الذات، أو نفس الإنعام والدفع، فيعودان إلي فات الأفعال. و ((الرحمن)) أبلغ من الرحيم لزيادة بنائه. وحظ العارف منهما: أن يتوجه بكليته إلي جناب قدسه، ويتوكل عليه، ويلتجئ فيما يعن له إليه، ويشغل سره بذكره، والاستمداد به عن غيره، لما فهم منهما أنه المنعم الحقيقي المولي للنعم كلها، عاجلها وآجلها، ويرحم عباد الله؛ فيعأون المظلوم، ويصرف الظالم عن ظلمه بالطريق الأحسن، وينبه الغافل، وينظر إلي العاصي بعين الرحمة دون الإزاء، ويجتهد في إزالة المنكر وإزاحته علي أحسن ماي ستطيعه، ويسعى في سد خلة المحتاجين بقدر وسعة وطاقته.
وعن عبد الله بن المبارك:((الرحمن)) هو الذي إذا سؤل أعطي، و ((الرحيم)) هو الذي إذا لم يسأل غضب. وفي الحديث:((مالم يسأل الله يغضب عليه)). قال بعض المفسرين: إنما يلي الرحمن ((الله))، لأنه كالعلم إذا كان لا يوصف به غير اله، فكأنه الموصوف، وهو الأقدم، إذ الأصل في نعم الله أن تكون عظيمة، فالبداية بما يدل علي عظمها أولي. وهذا المعنى قريب مما في نعم الله أن تكون عظيمة، فالبداية بما يدل علي عظمها أولي. وهذا المعنى قريب مما في – الكشاف - لما قال:((الرحمن)) فيتنأول جلائل النعم وعظمائها وأصولها، أردفه ((بالرحيم)) كالتتمة والرديف، ليتنأول ما دق منها ولطف. وأقول: قد تقرر في موضعه أن هذا الأسلوب من باب التتميم، وموقع ((الملك)) في الحديث كموقع ((ملك يوم الدين)) في التنزيل علي سبيل التكميل؛ لأنه تتالي لما ذكر ما دل علي النعم والألطاف، أردفه بما يدل علي الغلبة والقوة، وأنه الملك الحقيقي، وأن لا ملم سواه، إذ القدرة الكاملة ليست إلا له. ثم أنه لما وصفه بما قد يوصف به المخلوق، وكان مظنة للتشبيه، فإرداد أن ينزهه عن ذلك أتبعه بقوله. ((القدوس)) بما قد يوصف به المخلوق، وكان مظنة للتشبيه، فأرد أن ينزهه عن ذلك أتبعه بقوله ((القدوس)) وهلم جرا يتابع سائر الأسماء في التناسب، فليتأمل، والله الموفق.