قال: إذا تحقق العبد أن الملك لله، وتنكب عن وصف الدعوى، وتبرأ من الحول والقوى، سلم الأمر لمالكه، فلا يقول: لي. ولهذا قال بعض المشايخ: التوحيد إسقاط إيلات يريد الإضافة إلي النفس. وقيل لبعضهم: ألك رب؟ فقال: أنا عبد، وليس لي نملة، فمن أنا حتى أقول: لي! وإذا ثبت أنه مالك علي الإطلاق، يملك من عباده من سبقت له عنايته، وحقت له في عموم الأحوال رعاية، فيملكه هواه، ويعتقه عن أسر نفسه ومناه، ويحرره عن رق البشرية، ويخلصه عن رعونة الإنسإنية. وفي معناه قيل: من ملك نفسه فهو حر، والعبد من يملكه هواه. وحكى أن بعض الأمراء قال لبعض الصالحين: سلنى حاجتك: قال أو لي تقول، ولي عبدان سيداك! قال: ومن هما؟ قال: الشهوة والغضب، غلبتها وغلبك، وملكتهما ومكاك. وإذا ثبت أن لا ملك ولا مالك إلا هو، فلا يعتمد إلا عليه، وليثق إلا به، وأن يكون بما في حكم الله تعالي أوثق منه بما في يده، ولا يهتم ولا يحزن علي المفقود، ولا يفرح بالموجود.
حكى الشقيق البلخي: أنه قال: كان ابتداء توبت أنى رأيت غلاما في سنة قحط، يمر في زهو، والناس يعلوهم الكآبة من مقاساة الجدوبة، فقلت ما هذا المرح؟ اما ترى ما فيه الناس من المحن؟ فانتهيت وتبت الحزن، ولسيدي قرية مملوكة يدخل منها ما أحتاج إليه، فقلت في نفسى: إن كان العبد المخلوق، لا يستوحش من السنة والقحط؛ لا أن لسيده قرية مملوكة، فكيف يصح لي أن أستوحش، وسيدى مالك الملوك؟ فانتهيت وتبت.
((القدوس)) فعول من القدس، وهو الطهارة والنزاهة، ومعناه المنزه عن سمات النقص، وموجبات الحدوث، المبرأ عما يدركه حس، أو يتصوره خيال، أو يسبق إليه وهم، أو يحيط به عقل، وهو من أسماء التنزيه. وحظ العارف منه: أن يتحقق أنه لا يحق الوصول إلا بد العروج من عالم الشهادة إلي عالم الغيب، وتنزيه السر عن المتخيلات والمحسوسات، والتطواف حول العلوم الإلهية، والأمور الأزلية المتعالية عن تعليقات الحس والخيال، وتطهير القصد عن أن يحوم حول الحظوظ الحيوإنية، واللذائذ الجسمإنية، فيقبل بكليته علي الله تعالي شوقًا إلي لقائه مقصور الهم علي معارفه ومطالعة جماله، حتى يصل إلي جناب العز، وينزل بحبوحة القدس.
قال الشيخ أبو القاسم: من عرف أنه القدوس، تسمو همته إلي أن يطهره الحق من عيوبه وآفاته، ويقدسه عن دنس آثامه في جميع حالاته، فيحتال في تصفية وقته عن الكدورات، ويرجع إلي الله تعالي بحسن استعانته في جميع أوقاته، فإن من طهر الله قلبه سبحأنه وتعالي لسأنه عن الغيبة، طهر الله قلبه عن العيبة، ومن طهر الله قلبه عن العيبة طهر الله طرفه عن نظر الريبة، ومن طهر الله طرفه عن نظر الريبة، طهر الله سره عن الجبة من القربة القريبة. حكى