عن سبب معيشته، وكان قد صلي خلفه، فقال اصبر حتى أقضى الصلاة التي صليتها خلفك، حيث شككت في أرزاق المخلوقين.
((المهيمن)) الرقيب المبالغ في المراقبة والحفظ، من قولهم: هيمن الطير إذا نشر جناحه علي فرخة صيانة له، هكذا قاله الخليل، وسيأتى معنى الرقيب. فإن قيل: كيف تجعله مرادفًا للرقيب، والمستفاد من أحد المترادفين عين المستفاد من الآخر، فلا يكون في إحصاء الثانى فائدة؛ لأن فضيلة هذه الأساس لما تحتها من المعانى، فإذا دل عليه بلفظ لم يكن للدلالة عليه بلفظ آخر مزيد فضل؟ قلت: لا أجعله مرادفًا، إذ في ((المهيمن)) من المبالغة باعتبار الاشتقاق والزنة ما ليس في الرقيب، فهما كالغافر والغفور، والرحمن والرحيم. وقيل: معناه الشاهد أي العالم الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة، فيرجع إلي العلم، أو الذي يشهد علي كل نفس بما كسبت، فيرجع إلي القول. وقيل: أصله مؤيمن، فقلبت الهمزة هاء، كما قلبت في ((هرقت، وهرجت، وهياك)) ومعناه الأمين الصادق وعده. وقيل: هو القائم علي خلقه بأعمالهم، وأرزاقهم، وآجالهم، فيرجع إلي القدرة.
قال الشيخ أبو حامد:((المهيمن)) اسم لمن استجمع ثلاث صفات: العلم بحال الشىء، والقدرة التامة علي مراعاة مصالحه، والقيام عليها. وهو كالشرح والتفصيل للقول الأول، فإن المراقبة والمبالغة في الحفظ إنما تتم بهذه الثلاث، وإن صح وضعه لهذا كان من الأسماء المركبة من صفات المعنى والفعل. وحظ العارف منه: أن يراقب قلبه، ويقوم أحواله، ويحفظ القوى والجوارح عن الاشتغال بما يشغل قلبه عن جناب القدس، ويحول بينه وبين الحق.
قال الشيخ أبو القاسم: من تحقق بهذا الاسم يكون محتشما من رريته، مستحيى من محل اطلاعه، وهذا المعنى يسمى مراقبة في لسان أهل المعاملة. قال أبو محمد الحريرى: من لم يحكم بينه وبين الله التقوى والمراقبة، لم يصل إلي الكشف والمشاهدة. حكى الشيخ أبو علي: أن وزيرًا بين يدى الأمين نظر إلي بعض غلمأنه بمؤخر عينيه، فلمح الأمير إليه، ففطن الوزير أنه يوهم فيه الريبة، فجعل يرى من نفه الحول كلما يدخل علي الأمير، حتى ظن أنه حدث فيه الحول. وحكي: أن ابراهيم بن أدهم كان يصلي قاعدًا فجلس، ومد رجليه، فهتف به هاتف: أهكذا تجالس الملوك؟ وكان الحريرى لا يمد رجليه في الخلوة، فقيل: وليس يراك أحد، فقال: حفظ الأدب مع الله أحق. وفي معناه أنشد:
كأن رقيبًا منك يرعى خواطرى وآخر يرعى ناظرى ولسانى
فما رمقت عينأي بعدك منظرًا يوؤك إلا قلت: قد رمقانى