للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ــ

وما خطرت في السر منى خطرة لغيرك إلا عرجا بعنانى

وما الزهد أسلي عنهم غير أننى وجدتك مشهودى بكل مكانى

وإخوان صدق قد سمعت حديتهم وأمسكت عنهم ناظرى ولسانى

((العزيز)) الغالب من قولهم: عز إذا غلب، ومرجعة إلي القدرة المتعالية عن المعارضة فمعناه مركب من وصف حقيقى، ونعت تنزيهي. وقيل: القوى الشديد من قولهم: عز يعز إذا قوى واشتد. ومنه قوله تعالي: {فعززنا بثالث} وقيل: عديم المثل، فيكون من أسماء التنزيه. وقيل: هو الذي يتعذر الإحاطة بوصفه، ويعسر الوصول إليه مع أن الحاجة تشتد إليه. وحظ العارف منه: أن يعز نفسه، فلا يستهينها بالمطامع الدنيوية، ولا يدنسها بالسؤال عن الناس، والافتقار إليهم، ويجعلها بحيث يشتد إليها احتياج العباد في الإرفاق والإرشاد.

قال الشيخ أبو القاسم: ((العزيز)) علي طريقة أهل الإشارة هو الذي لا يدحر (خدمة من خدمة) شيئًا، ولا يؤثر من عرفه هواه علي رضاه، فيقضى حقوقه فرضًا، ولا يرى لنفسه عليه حقًا، وأنشد:

وتكرمها جاراتها فيزرنها وتقعد عن إتيأنهن فتعزز

والعزيز من العباد: من يمنع فيشكر، ويبلي فلا يشكو، من يعرفه يستلذ بحكمة الهوان ويستحلي منه الحرمان دون الإحسان. وأنشد:

وأهنتنى فأهنت نفس صاغرًا ما من يهون عليك ممن أكرم

أشبهت أعداتى فصرت أحبهم إذ كان حظى منك حظى منهم

قيل: إنما يعرف الله تعالي عزيزًا من أعز أمره وطاعته، فأما من استهان بأوامره، فمن المحال أن يكون متحققًا بعزته. وقيل لبعضهم: ما علامة أنك تعرفه؟ فقال: لا أهم لمخالفته إلا نادانى من قلبى مناد: استحيي منه. وقيل: العزيز من ضلت العقول في بحار عظمته، وحارة الألباب دون إدراك نعته، وكلت الألسن عن استيفاء مدح جلاله، ووصف جماله. وأنشد:

وكل من أغرق في مدحه أصبح منسوبًا إلي العي

قال سيد الأولين والآخرين صلوات الله عليه بعد ما بلغ في ثنائه تعالي: ((لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت علي نفسك)).

ومن آداب من عرف أنه العزيز: أن لا يعتقد لمخلوق إجلالا، ولهذا قالوا: المعرفة تحقير الأقدار سوى قدره، ومحو الأذكار سوى ذكره، وإذا عرف أنه المعز لم يطلب العز إلا منه، ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>