للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ــ

يكون العز إلا في طاعته تعالي. حكى عن بعضهم: أنه قال: رأيت رجلا في الطواف، وبين يديه شرطيان يطردان الناس، ثم بعد ذلك رأيته يتكفف علي الجسر، فسألته عن ذلك، فقال: إنى تكبرت في موضع يتواضع الناس فيه، فوضعنى الله تعالي في موضع يترفع فيه الناس.

قال الشيخ أبو حامد في معنى قوله تعالي: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} العزيز من العباد من يحتاج إليه خلق الله عز وجل في أهم أمورهم، وهي الحياة الأخروية، والسعادة الأبدية، وذلك مما يقل لا محالة وجوده، ويصعب إدراكه، وهذه رتبة الأنبياء صلوات الله عليهم، ويشاركهم في العز من يتفرد بالقرب من درجتهم في عصره، كالخلفاءء وورثتهم من العلماء، وعزة كل واحد منهم بقدر علو رتبته، عن سهولة النيل والمشاركة، وبقدر عناية وإرشاد الخلق.

((الجبار)) بناء مبالغة من الجبر، وهو في الأصل إصلاح الشىء يضرب من القهر، ثم يطلق تارة في الإصلاح المجرد، نحو قول علي رضي الله عنه: ((يا جابر كل كسير، ومسهل كل عسير))، وتارة في القهر المجرد، نحو ما ورد: ((لا جبر ولا تفويض)) ثم تجوز عنه لمجرد العلو؛ لأن القهر مسبب عنه، فيقال: نخلة جبارة، للباسقة التي لا تنالها الأيدى، ولذلك قيل: الجبار هو المصلح لأمور العباد والمتكفل لمصالحهم، فهو إذن من أسماء الأفعال، وقيل: معناه حامل العباد علي ما يشاء، لا انفكاك لهم عما شاء من الأخلاق، والأعمال، والأرزاق، والآجال. فمرجعه أيضا إلي الفعل. وقيل: معناه المتعالي عن أن يناله كيد الكائدين، ويؤثر فيه قصد القاصدين، فيكون مرجعة إلي التقديس والتنزيه.

وحظ العارف من هذا الاسم: أن يقبل علي النفس فيجبر نقائصها باستكمال الفضاتل، ويحملها علي ملازمة التقوى، والمواظبة علي الطاعة، ويكسر فيها الهوى والشهوات بأنوع الرياضات، ويترفع عما سوى الحق غير ملتفت إلي الخلق، فيتحلي بحلي المسكينة والوقار، بحيث لا يزلزله تعاور الحوادث، ولا يؤثر فيه تعاقب النوازل، بل يقوى علي التأثير في الأنفي والآفاق بالإرشاد والإصلاح. قال الشيخ أبو القاسم: الاسم إذا احتمل معإني مما يصح في وصفة تعالي، فمن دعاه بهذا الاسم فقد أثنى عليه بتلك المعإني، فهو الجبار علي معنى أنه عزيز، متكبر، محسن إلي عباده، لا يجرى في سلطانة شىء بخلاف مر اده.

ومن آداب من عرف أنه لا تناله الأيدى لعلو قدره: أن يتحقق بأنه لا سبيل إليه، ولابد منه. فلا يصيب العبد منه إلا لطفه، وإحسأنه، اليوم عرفانة، وغدًا غفرأنه. وأنشد:

فلا بذل إلا ما تزود ناظرى ولا وصل إلا بالخيال الذي يسرى

<<  <  ج: ص:  >  >>