وقلن لنا نحن الآهلة إنما نضىء لمن يسرى بليل ولا نقرى
وإذا علم أنه يجبر الخلق علي مراده، وعلم أنه لا يجرى في سلطأنه ما يأباه، ويكرهه ترك ما يهواه، وانقاد لما يحكم به مولاه، فيستريح عن كد الفكر، وتعب التدبير. وفي بعض الكتب: عبدي تريد وأريد، ولا يكون إلا ما أريد، فإن رضيت بما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم ترض بما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد.
قال أبو حامد: الجبار من العباد من ارتفع عن الاتباع، ونال درجة الاستتباع، وتفرد بعلو رتبته بحيث يجبر الخلق بهيئته وصورته علي الاقتداء به، ومتابعته في سمته وسيرته، فيفيد الخلق ولا يستفيد، ويؤثر ولا يتأثر. وإنما خص بهذا الوصف سيد البشر صلوات الله عليه، حيث قال:((لو كان موسى حيًا لما وسعه إلا اتباعى، وأنا سيد ولد آدم ولا فخر)).
((المتكبر)) هو الذي يرى غيره حقيرًا بالإضافة إلي ذاته، فينظر إلي غيره نظر المالك إلي عبده. وهو علي الإطلاق لا يتصور إلا لله تعالي، فأنه المتفرد بالعظمة والكبرياء بالنسبة إلي كل شىء من كل وجه. ولذلك لا يطلق علي غيره إلا في معرض الذم. فإن قيل: هذا اللفظ من باب التفعل ووضعه للتكلف في إظهار ما لا يكون، فينبغى أن لا يطلق علي الله تعالي. قلت: لما تضمن التكلف بالفعل مبالغة فيه، أطلق اللفظ وأريد به مجرد المبالغة. ونظير ذلك فيه شائع في كلامهم، مع أن التفعل جاء لغير التكلف كثيرًا، كالتعمم، والتقمص.
قال الشيخ أبو القاسم: من عرف علوه تعالي وكبرياءه، لازم طريق التواضع، وسلك سبيل التذلل، وقد قيل: هتك ستره، من جاوز قدره. وقد قيل: الفقير في خَلقِه* أحسن منه في جديد غيره، ولا شىء أحسن علي الخدم من التواضع بحضرة السادة، وأنشد:
ويظهر في الهوى عز الموالي فيلزمنى له ذل العبيد
وسئل يحيى بن معاذ عن المحبة: فقال: هو مالا يزيد بالبر، ولا ينقص بالجفاء. وقيل: كل من أخلص في وده، وصدق في حبه، كان استلذاذه بمنعه أكثر من استلذاذه بعطائه. وحظ العارف منه: أن يتكبر عن الركون إلي الشهوات، والسكون إلي الدنيا وزخارفها، فإن البهائم تساهمه فيها، بل عن كل ما يشغل سره عن الحق، ويستحقر كل شىء سوى الوصول إلي جناب القدس من مستلذات الدنيا والآخرة.
((الخالق، البارىء، المصور)) قيل: أنها ألفاظ مترادفة، وهو وهم، فإن الخالق من الخلق، وأصلة التقدير المستقيم، ويستعمل بمعنى الإبداع، وهو إيجاد الشىء من غير أصل، كقوله