تعالي:{خلق السموت والأرض} وبمعنى التكوين، كقوله تعالي:{خلق الإنسان من نطفة} وقوله: {وخلق الجان من مارج من نار}. و ((البارىء)) مأخوذ من البرء، وأصله خلوص الشىء عن غيره، إما علي سبيل التفصى منه، وعلية قولهم: برىء فلان من مرضه، والمديون من دينه، واستبرأت الجارية رحمها. وإما علي سبيل الإنشاء، ومنه برأ الله النسمة، وهو البارىء لها. وقيل: البارىء هو الذي خلق الخلق بريئًا من التفاوت والتنافر المخلين بالنظام الكامل، فهو أيضًا مأخوذ من معنى التفصى. و ((المصور)) هو مبدع صور المخترعات، ومزينها، ومرتبها، فالله سبحأنه خالق كل شىء، بمعنى أنه مقدر، ء أو موجده من أصل، ومن غير أصل، وباريه بحسب ما اقتضته حكمته، وسبقت به كلمته من غير تفاوت واختلال، ومصوره بصورة يترتب عليها خواصه ويتم بها كماله، وثلاثتها من أسماء الأفعال، اللهم إلا إذا فسر الخالق بالمقدر، فيكون من صفات المعانى؛ لأن مرجع التقدير إلي الارادة، وإن فسر الخالق بالمقدر، فوجه الترتيب ظاهر؛ لأنه يكون التقدير أولا، ثم الأحداث علي الوجه المقدر ثإنيا، ثم التسوية والتصوير ثالثًا، وإن فسر بالموجد، فالاسمان الآخران كالتفصيل له، فإن الخالق هو الموجد بتقدير واختيار، سواء كان الموجد مادة أو صورة، ذاتًا أو صفة.
وحظ العارف منها: أن لا يرى شيئًا، ولا يتصور أمرًا إلا ويتأمل فيما فيه من باهر القدرة، وعجائب الصنع، فيترقى من المخلوق إلي الخالق، وينتقل من ملاحظة المصنوع إلي ملاحظة الصانع، حتى يصير بحيث كلما نظر إلي شىء وجد الله عنده. قال الشيخ أبو القاسم: وإذا عرف العبد أنه لم يكن شيئًا، ولا عينًا، فحولة الله شيئًا، وجعله عينًا، فبالحري أن لا يعجب بحاله، ولا يدل بأفعاله. وقد أشكل عليه حكم ماله، وكيف لا يتواضع من يعلم أنه في الابتداء نطفة، وفي الانتهاء جيفة، وفي الحال صريع جوعة، وأسير شبعة، وحمال وحشة، كنيف في قميص، إن أمسك عن الكلام ساعة تغير عليه خلوفه، وإن عرق في سعيه (سطع)(تفتر) المستطاب صنان إبطه ورائحة رجله، ثم إذا شاهد نقص نفسه، عرف جلال ربه.
وقال بعضهم: لما قال تعالي: {وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون} نبههم علي حسن الخلق بما دلهم علي صفة الأرض، وذلك أنه يلقى عليها كل وحشة، فيخرج منها كل زهرة وخضرة، وهكذا المؤمن ينبغى أن يكون متشربًا غير مترشح، محتملا للجفاء غير منتقم، لا يقابل بالجفاء إلا قابل الجافي بالاحتمال، وجميل الإغضاء والأفعال. يحكى أن بعضهم كان يسىء القول في واحد، والرجل يسمع ويسكت، فضاق صدر هذا الرجل، فقال: إياك أعنى، فقال الرجل: وعنك أحلم.