((الغفار)) في الأصل بمعنى الستار من الغفر، وهو ستر الشى، بما يصونه، ومنه المغفر، ومعناه أنه يستر القبائح والذنوب، بإسبال الستر عليها في الدنيا، وترك المؤاخذة بالعفو عنها في العقبى، ويصون العبد من أوزارها. وهو من أسماء الأفعال، وقد جاء التوقيف في التنزيل بالغفار والغفور والغافر، والفرق بينها أن الغافر يدل علي اتصافه بالمغفرة مطلقًا، والغفار والغفور يدلان عليه مع المبالغة، والغفار أبلغ لما فيه من زيادة البناء، ولعل المبالغة في الغفور باعتبار الكيفية، وفي الغفار باعتبار الكمية، وهو قياس المشدد للمبالفة من النعوت والأفعال.
وقال بعض الصالحين: إنه غافر؛ لأنه يزيل معصيتك من ديوانك، وغفور؛ لأنه ينسى الملائكة أفعالك، وغفار؛ لأنه ينسيك ذنبك حتى كأنك لم تفعله. وقال آخر: إنه غافر لمن له علم اليقين، وغفور لمن له عين اليقين، وغفار لمن له حق اليقين.
وحظ العارف منه: أن يستر من أخيه ما يحب أن يستر منه، فلا يفشى منه إلا أحسن ما فيه، ويتجاوز عما يندر عنه، ويكافيء المسى، إليه بالصفح والإنعام عليه. قال الشيخ أبو القاسم في قوله تعالي:((ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا}. ((ثم)) تقتضى التراخى، كأنه قال: من زجى عمره في الزلات، وأفنى حياته في المخالفات، وأبلي شبابه في البطالات، ثم ندم قبل الممات، وجد من الله العفو عن السيئات. ((ومن يعمل سوءًا)) إخبار عن الفعل، و ((يستغفر الله)) عن القول، كأنه قيل: الذين زلاتهم حالة، وتوبتهم قالة، ولقد سهل عليك الأمر من رضي عنك بقالة، وقد عملت ما عملت، والاستغفار يستدعى مجرد الغفران، فقوبل بقوله:((يجد الله)) انظر إلي حال هذا المذنب كيف طلب المغفرة، فوجد الله تعالي والله أعلم.
((القهار)) هو الذي لا موجود إلا وهو مقهور تحت قدرته، مسخر لقضائه، عاجز في قبضته، ومرجعه إلي القدرة، فيكون من صفات المعنى. وقيل: هو الذي أذل الجبابرة، وقصم ظهورهم بالإهلاك، ونحوه. فهو إذن من أسماء الأفعال. وعن بعض السالكين:((القهار)) الذي طاحت عند صولته صولة المخلوقين، وبادت عند سطوته قوى الخلائق أجمعين. قال الله تعالي:{لمن الملك اليوم لله الواحد القهار} فأين الجبابرة الأكاسرة عند ظهور هذا الخطاب، وأين الأنبياء والمرسلون والملائكة في هذا العتاب، وأين أهل الضلال والإلحاد والتوحيد والرشاد، وأين آدم وذريته وإبليس وشيعته. فكأنهم بادوا وانقرضوا، زهقت النفوس وتلفت الأرواح، وتبددت الأجسام والأشباح، وتفرقت الأوصال، وبقى الموجود الذي لم يزل ولا يزال.
وحظ العارف منه: أن يسعى في تطويع النقس الأمارة للنفس المطمتنة قهرًا، وكسر شهواتها، فإنها أعدى عدوه. قال الشيخ أبو القاسم: من علم أنه القهار خشى بغتات مكره،