للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ــ

وخاف فجاءة قهره فيكون وجلاً بقلبه، منفردًا عن قومه ورهطه، مستديمًا لكربه، مفارقًا لخلطاته وصحبه، كما قيل:

فريد من الخلان في كل بلدة إذا عظم المطلوب قل المساعد

واعلم أن الله تعالي قهر نفوس العابدين بخوف عقوبته، وقلوب العارفين بسطوة قربته، وأرواح الواجدين بكشف حقيقته، فالعابد بلا نفس لاستيلاء سلطان أفعاله عليه، والعارف بلا قلب لاستيلاء سلطان إقباله عليه، والواجد بلا روح لاستيلاء كشف جماله وجلاله عليه. فمتى أراد العابد خروجه عن قيد مجاهدته، قهرته سطوات العقاب، فردته إلي بذل المهجة، ومتى أراد العارف خروجه عن مطالبات القربة، قهرته بواده الهيبة، فردته إلي توديع المهجة، فشتان بين عبد هو مقهور أفعاله، وبين عبد هو مقهور جماله وجلاله.

((الوهاب)) كثير النعم، دائم العطاء، والهبة الحقيقية هي العطية الخالية عن الأعواض والأغراض، فإن المعطى لغرض مستفيض وليس بواهب، وهو من أسماء الأفعال. وحظ العارف منه: أن لا يستمنح، ولا يتوقع إلا من الله، بل أن يبذل جميع ما يملكه حتى الروح خالصة لوجه الله، لا يريد به جزاء ولا شكورًا. قال الشيخ أبو القاسم: من تحقق بأنه الوهاب لم يخش الفقر، ومقاساة الضر، ورجع إليه في كل وقت بحسن المقصد. ويحكى أن الشبلي سأل بعض أصحاب أبي علي الثقفي، فقال: أي اسم من أسمائه يجرى علي لسان أبي علي الثقفي أكثر؟ فقال الرجل: اسمه الوهاب، فقال الشبلي لذلك كثر ماله.

((الرزاق)) خالق الأرزاق والأسباب التي يتمتع بها، والرزق هو المنتفع به، وكل ما ينتفع به منتفع فهو رزقه، سواء كان مباحًا أو محظورًا. وقالت المعتزلة: الرزق هو الملك، وفساده ظاهر طردًا وعكسًا. أما الأول: فلأن كل ما سرى الله تعالي ملكه، وليس رزقًا له، وللفرار من هذا الإشكال زاد بعضهم، وقال: رزق كل مرزوق ما ينتفع به من ملكه. وأما الثانى: فلأن ما يدر علي البهائم رزقها لقوله تعالي: ((وما من دابة في الأرض إلا علي الله رزقها)) وليس ملكًا لها، والرزق نوعان: محسوس ومعقول، فلذلك قال بعض المحققين: الرزاق من رزق الأشباح فوائد لطفه، والأرواح عوائد كشفه، وقال آخر: الرزاق من غذى نفوس الأنبياء بتوفيقه، وحلي قلوب الأخيار بتصديقه.

وحظ العارف منه: أن يحقق معناه ليتيقن أنه لا يستحقه إلا الله تعالي، فلا ينتظر الرزق ولا يتوقعه إلا منه، فيكل أمره إليه، ولا يتوكل فيه إلا عليه، ويجعل يده خزانة ربه، ولسانه وصلة بين الله وبين الناس في وصول الأرزاق الروحإنية والجسمإنية إليهم بالإرشاد، والتعليم،

<<  <  ج: ص:  >  >>