وصرف المال، ودعاء الخير، وغير ذلك؟ لينال حظًا وافرًا من هذه الصفة. قال الشيخ أبو القاسم: من عرف أن الله تعالي هو الرزاق، أفرده بالقصد إليه، وتقرب إليه بدوام التوكل عليه، قيل لبعضهم: من أين يأكل فلان؟ قال: مذ عرفت خالقه، ما شككت في رازقه. وقيل: أراد حاتم الأصم أن يسافر فقال لامرأته: كم تحتاجين من النفقة؟ فقالت: بقدر ما يتخلف من الحياة، فقال حاتم: وما يدرينى كم تعيشين؟ فقالت: كله إلي من يعلم. فلما سافر، قيل لها: إن حاتماً تركك بلا نفقة، فقالت: إنه كان أكلا للرزق، ولم يكن رازقًا. ومن الناس من تسمو همتهم فلا يطلبون منه الحوائج الخسيسة.
يحكى عن الشبلي أنه أرسل إلي غني أن ابعث إلينا شيئًا من دنياك، فكتب إليه، سل دنياك من مولاك، فكتب إليه الشبلي: الدنيا حقيرة وأنت حقير، وإنما أطلب الحقير من الحقير، ولا أطلب من مولاي غير مولاي. واعلم أنه يرزق الأرواح والسرائر، كما يرزق الأشباح والظواهر، وأرزاق القلوب الكشوفات والمعانى، كما أن أرزاق النفوس الغذاء والأحاظى. وقيل لعارف: أيش القوت؟ فقال: ذكر الحى الذي لا يموت. وأنشد:
إذا كنت قوت النفس ثم هجرتها فلم تلبث النفس التي أنت قوتها
وقال بعضهم: دخلت علي داود الطائى، فرأيته منبسطًا، وكنت إذا دخلت عليه أراه منقبضًا، فسألته عن ذلك، فقال: سقانى البارحة وقت السحر شراب أنسه، فأردت أن أجعل اليوم عيدًا، وأنشد:
فأسكر القوم دور كأسى وكان سكرى من المدير
وقال غيره:
فمن ذا يلمنى أن أهز معاطفي وقد وصلت ليلي وقد وعدت هند
((الفتاح)) الحاكم بين الخلائق، من الفتح بمعنى الحكم، قال الله تعالي:((ربنا افتح بيننا وبين قومنا)) أي احكم، وذلك، لأن الحكم فتح الأمر المغلق بين الخصمين، والله سبحانه بين الحق وأوضحه، وميز الباطل وأدحضه، بإنزال الكتب ونصب الحجج، ومرجعة إما إلي القول القديم، أو الأفعال المنتصفة للمظلومين عن الظلمة. وقيل: هو الذي يفتح خزائن الرحمة علي أصناف البرية، قال الله تعالي:((ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها)). وقيل: معناه مبدع الفتح والنصرة. وعن بعض الصالحين:((الفتاح)) الذي لا يغلق وجوه النعمة بالعصيان، ولا يترك إيصال الرحمة إليهم باللسان. وعن آخر منهم:((الفتاح)) الذي فتح قلوب