للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الفتاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعزُّ، المذل، السميع، البصير

ــ

المؤمنين بمعرفته، وفتح علي العاصين أبواب مغفرته. وقيل: ((الفتاح)) الذي فتح علي النفوس باب توفيقه، وعلي الأسرار باب تحقيقه.

وحظ العارف منه: أن يسعى في الفصل بين الناس، وانتصار المظلومين، ويهتم بتيسير ما تعسر علي الخلق من الأمور الدينية والدنيوية، حتى يكون له حظ من هذا الاسم. قال الشيخ أبو القاسم: من علم أنه ((الفتاح)) للأبواب، والميسر للأسباب، الكافي للخطوب، المصلح للأمور، فإنه لا يتعلق بغيره قلبه، ولا يشتغل بدونه فكره، يعيش معه بحسن الانتظار لا يزداد بلاءً، إلا ويزداد بربه ثقة ورجاءً. واعلم أنه يفتح للنفوس بركات التوفيق، وللقلوب زوائد التحقيق، فبتوفيقه تتزين النفوس بالمجاهدات، وبتحقيقه تتزين القلوب بالمشاهدات.

ومن آداب من علم أنه ((الفتاح)) أن يكون حسن الانتظار لنيل كرمه، لوجود لطفه سبحانه، دائم الترقب لحصول فضله، يستديم التطلع لنيل كرمة تاركًا للاستعجال عليه، ساكنًا تحت جريان الحكم، عالماً بأنه لا يقدم ما حكم بتأخيره، ولا يؤخر ما حكم بتقديمه. ويحكى أن مؤذناً لعلي رضي الله عنه قال لجارية له تمر عليه: إنى أحبك، فشكت يومًا إلي علي، فقال: قولي له: وأنا أيضًا أحبك، فأيش بعد هذا؟ فقالت الجارية ذلك له، فقال: إذن نصبر حتى يحكم الله بيننا، فذ كرت ذلك لعلي، فدعا بالمؤذن وسأله عن القصة، فأخبره بالصدق، فقال علي: خذ بيدها فهي لك، فقد حكم الله بينكما.

((العليم)) العليم بناء مبالغة من العلم، والله سبحانه حقيق بالمبالغة في وصفة، وعلمه تعالي شامل لجميع المعلومات، محيط بها، سابق علي وجودها، لا تخفي عليه خافية، ولا يعزب عنه قاصية ولا دإنية، ولا يشغله علم عن علم كما لا يشغله شأن عن شأن، وهو من صفات الذات. وحظ العبد منه: أن يكون مشغوفا بتحصيل العلوم الدينية، لاسيما المعارف الإلهية التي هي باحثة عن ذاته وصفاته، فإنها أشرف العلوم، وأقرب الوسائل إلي الله تعالي، مراقبًا لأحواله، محتاطًا في مصادره وموارده، لعلمه بأنه تعالي عالم بضمائره مطلع علي سرائره.

وعن بعض الصالحين: من عرف أنه عليم بحالته، صبر علي بليته، وشكر علي عطيته، واعتذر عن قبيح خطيئته. قال الشيخ أبو القاسم: من آداب من علم أن الله تعالي عالم الخفيات خبير بما في الضمائر والسرائر من الخطرات، لا يخفي عليه شىء من الحوادث في عموم الحالات، فبالحرى أن يستحي عن مواضع اطلاعه، ويرعوى عن الاغترار بجميل ستره. وفي بعض الكتب: إن لم تعلموا أنى أراكم فالخلل في ايمانكم، وإن علمتم أنى أراكم فلم جعلتمونى أهون الناظرين إليكم؟ فمن شأن من تحققه أن يكون مكتفيًا بعلمه عند جريان حكمة، ساكنًا عن تدبيره وتقديره، فارغًا عن اختياره واحتياله. قيل لبعض الموفقين: أيطلب

<<  <  ج: ص:  >  >>