للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ــ

وروى في الخبر ((كم من أشعث أغبر زى طمرين لا يؤبه له، لو أقسم علي الله لابرَّه) وقيل: إن رجلاً رثى واقفاً في الهواء، فقيل له: بم بلغت هذه المنزلة؟ فقال: أنا رجل جعلت هوأي تحت أقدامى فسخر الله لي الهواء.

((المعز، المذل)) الإعزاز جعل الشىء ذا كمال يصير بسببه مرغوبًا قليل المثال، والإذلال جعله ذا نقيصة بسببها يرغب عنه، ويسقط عن درجة الاعتبار، وكلا المعنيين يعرض للإنسان وغيره، والذي يعرض للإنسان منه ما يتعلق بالبدن كالقوة، والجمال، ورفعة الجاه، وكثرة المال، وشرف النسب، والتظاهر بالأتباع والأنصار، ونقائضها. ومنه ما يتعلق بالنفوس كالتخليص عن ذل الحاجة، واتباع الشهوة، وتطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة، والإرشاد إلي معرفة الحق لذاته، والخير لأجل العمل به، وما يقابل ذلك.

وقال بعض الصالحين: ((المعز)) الذي أعز أولياءه بعصمته، ثم غفر لهم برحمته، ثم نقلهم إلي دار كرامته، ثم أكرمهم برؤيته ومشاهدته. و ((المذل)) الذي أذل أعداءه بحرمان معرفته، وركوب مخالفته، ثم نقلهم إلي دار عقوبته، وأهأنهم بطرده ومفارقته. وحظ العبد من ذلك أن يعز الحق وأهله، ويذل الباطل وحزبه، وأن يسأل الله تعالي التوفيق لما يستمد به إعزازه، ويجتهد فيه، ويستعيذ به من موجبات الإذلال ويتوقى عن مظانه. قال الشيخ أبو القاسم: الحق يعز الزاهدين بعزوب نفوسهم عن الدنيا، ويعز العابدين بسلامة نفوسهم عن الرغبات والمنى، ويعز أصحاب العبادات بسلامتهم عن اتباع الهوى، ويعز المريدين بزهادتهم عن صحبة الورى، وانقطاعهم إلي باب المولي، ويعز العارفين بتأهيلهم لمقامات النجوى، ويعز المحبين بالكشف واللقاء، والغنى عن كل ما هو غير وسوى، ويعز الموحدين بشهودهم جلالة من له البقاء والبهاء.

قال المشايخ: ما أعز الله عبدًا بمثل ما يرشده إلي ذل نقسه، وما أذل الله عبدًا بمثل ما يرده إلي توهم عزه. وقيل في معنى قوله تعالي: ((تعز من تشاء وتذل من تشاء)) المذلة أن يكون في أسر نفسه، وغطاء شهواته، وسجن تمنيه وآفاته، يصبح محجوبًا ويمسى محرومًا، لا بالطاعات له توفيق، ولا بالقلب تصديق، ولا في الحال تحقيق، نعوذ بالله من شر الأقدار وسوء الاختيار، وبالله التوفيق.

((السميع، البصير)) هما من أوصاف الذات، والسمع إدراك المسموعات حال حدوثها، والبصر إدراك المبصرات حال وجودها. وقيل: إنهما في حقه تعالي صفتان تنكشف بهما المسموعات والمبصرات انكشافًا تامًا، ولا يلزم من افتقار هذين النوعين من الإدراك فينا إلي آلة

<<  <  ج: ص:  >  >>