افتقارهما إليها بالنسبة إلي الله تعالي؛ لأن صفات الله تعالي مخالفة لصفات المخلوقين بالذات، وإن كانت تشاركها، فإنما تشاركها بالعوارض، وفي بعض اللوازم، ألا ترى أن صفاتنا أعراض عارضة معرضة للآفة والنقصان، وصفاته تعالي مقدسة عن ذلك؟.
وحظ العبد منهما: أن يتحقق أنه بمسمع من الله ومرأي منه، فلا يستهين باطلاع الله عليه ونظره إليه، ويراقب مجامع أحواله من مقاله وأفعاله. قال الشيخ أبو القاسم: من عرف من عباده أنه السميع البصير فمن آدابه: دوام المراقبة، ومطالعة النفس بدقيق المحاسبة.
وقيل: إذا عصيت مولاك فاعص في موضع لا يراك. ومن ألطاف الله تعالي بعباده الذين يحفظون له سمعهم وبصرهم أن يكفيهم مئونة أنفسهم، ويصونهم في أحوالهم، فتكون أسماعهم مصونة عن سماع كل لغو، وأبصارهم محفوظة عن شهود كل كفو وغير، وإليه الإشارة بقوله:((كنت له سمعًا وبصرًا، فبي يسمع وبي يبصر)) الحديث. وهذا هو محل الحفظ، ووصف التخصيص فن العناية، وروى عن سهل بن عبد الله أنه قال: منذ كذا سنة أنا أخاطب الحق تعالي، والناس يتوهمون أنى أكلمهم. وفي معناه أنشد:
وظنونى أخاطبهم قديماً وأنت بما أخاطبهم مرادى
وهذا هو صفة الجمع الذي أشار إليه القوم أن لا يكون العبد لنفسه بنفسه، بل يكون لربه بربه.
واعلم أنه إذا علم أن مولاه يسمع ما يقول، ويرى ما يختلف به من الأحوال، فإنه يكتفي بسمعه وبصره عن انتقامه وانتصاره، فإن نصرة الحق أتم له من نصرته لنفسه، قال الله تعالي لنبيه صلوات الله عليه:((ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون)) ثم انظر بماذا سلاه، وكيف خفف عليه تحمل أثقال بلواهم بما يشغله به عنهم، وأمره به حيث قال:((فسبح بحمد ربك)) أي فاتصف أنت بمدحنا وثنائنا، يعنى إذا تأذيت بسماع السوء منهم، فاستروح بروح ثنائك علينا. قال الشيخ أبو حامد: من أخفي عن غير الله ما لا يخفيه عن الله، فقد استهان ينظر الله. والمراقبة إحدى مراتب الإيمان بهذه الصفة، فمن قارف معصية وهو يعلم أن الله تعالي يراه، فما أجرأه وما أجسره! ومن ظن أن الله تعالي لا يراه فما أكفره وما أكفره!
((الحكم)) الحاكم الذي لا مرد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ومرجع الحكم إما إلي القول الفاصل بين الحق والباطل، والبر والفاجر، والمبين لكل نفس جزاء ما عملت من خير أو شر؛ وإما إلي الفعل الدال علي ذلك لنصب الدلائل، والأمارات الدالة عليه؛ وإما إلي المميز بين الشقى والسعيد بالإثابة والعقاب. وقيل: أصله المنع، ومنه سميت حكمة اللجام حكمة؛ فإنها تمنع الدابة عن الجماح، والعلوم حكمًا؛ لأنها تزع صاحبها عن شيم الجهال.