للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ــ

عن الفجور والخمود، وفي الأفعال الغضبية عن التهور والجبن، وفي الآراء والتدابير عن الجربزة والبلاهة، ويلازم أوساطها التي هي العفة والشجاعة والحكمة، المعبر عن مجموعها بالعدالة، ليندرج تحت المخاطبين بقوله تعالي: ((وكذلك جعلناكم أمة وسط لتكونوا شهداء علي الناس)).

قال الشيخ أبو القاسم: حقيقة العدل أن يكون فعله حسنًا صوابًا، وإنما يكون حسنًا وصوابًا إذا كان لفاعله أن يفعل فهو عادل، وأفعاله عدل، وله أن يفعل بحق ملكه ما يريد في خلقه. وحكى أن رجلا جاء إلي سمنون وقال له: ما معني قوله تعالي: ((ومكروا ومكر الله) فأنشد سمنون*:

ويقبح من سواك الفعل عندى وتفعله فيحسن منك ذاكا

فأنكر عليه السائل، فقال: لم أجبك بالبيت لقصور في الجواب، ولكن أردت أن أبين لك أن في أقل قليل أدل دليل علي ما سألت، فالجواب أن تخليته إياهم مع مكرهم مكره بهم. فمن علم أنه ((العدل)) لم يستقبح منه موجودًا، ولم يستثقل منه حكمًا، بل استقبل حكمة بالرضا والصبر تحت بلاياه بغير شكوى لم يضيق لتحمل بلاياه قلبًا، ووسع لمقاساة فجاءة تقديره ذرعًا.

((اللطيف)) قيل: معناه الملطف كالجميل، فإنه بمعنى المجمل، فيكون من أسماء الأفعال. وقيل: معناه العليم بخفيات الأمور ودقائقها، وما لطف منها. وحظ العبد منه: أن يلطف بعباده، ويرفق بهم في الدعاء إلي الله تعالي، والإرشاد إلي طريقة الحق، ويتيقن أنه تعالي عالم بمكنونات الضمائر علمه بجليات الظواهر، فلا يضمر ما لا يحسن إظهاره. قال الشيخ أبو القاسم: ((اللطيف)) العليم بدقائق الأمور ومشكلاتها، وهذا في وصفه واجب، واللطيف المحسن الموصل للمنافع برفق، وهذا في نعته مستحق، وهو من صفات فعله.

وقوله تعالي: ((الله لطيف بعباده)) يحتمل المعنيين جميعًا، أن يكون عالمًا بهم وبمواضع حوائجهم، يرزق من يشاء ما يشاء كما يشاء، ولطيف بهم يحسن إليهم ويتفضل عليهم، ويرفق بهم. قيل: إن من لطفه تعالي بعباده أنه أعطاهم فوق الكفاية، وكلفهم دون الطاقة، ومن لطفه بعباده توفيق الطاعات، وتسهيل العبادات، وتيسير المرافقات، إذ لولا ذلك لكان للمخالفات مرتكبًا، وفي الزلات منهمكًا، ثم من لطفه بعباده حفظ التوحيد في القلوب، وصيانة العقائد عن الارتياب، وسلامة القلوب عن الاضطراب، وإن بقاء المعرفة بين وحشة الزلة أعجب من إخراج اللبن من بين الفرث والدم، ولكن جرت سنته بحفظ كل لطيفة بين كثيفة، بل أجرى سنته بإخفاء الودائع في مواضع مجهولة.

<<  <  ج: ص:  >  >>