للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ــ

وقيل: ((اللطيف)) في الأصل ضد الكثيف. ومن خواصه أن لا يحس به، فإطلاقه علي الله تعالي باعتبار أنه متعال من أن يحس به، فيكون من الصفات التنزيهية، وعلية قوله تعالي: ((لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير)). وفيه لف ونشر، يعنى أنه لطيف لا تحيط بكنهه الأبصار، وهو للطف إدراكه للمدركات يحيط بتلك الجواهر اللطيفة التي لا يدركها مدرك علما.

((الخبير)) العليم ببواطن الأشياء من الخبرة، وهي العلم بالخفايا الباطنة، وقيل: هو المتكمن من الإخبار عما علمه. وحظ العبد منه: أن لا يتغافل عن بواطن أحواله، ويشتغل بإصلاحها، وتلافي ما يحدث فيها من المقابح. وعن بعض الصالحين: من عرف أنه خبير كان بزمام التقوى مشدودًا، وعن طريق المنى مصدودًا، والله الموفق.

قال الشيخ أبو القاسم: إذا علم العبد أنه تعالي مطلع علي سره، عليم بأمره، يكتفي من سؤاله برفع همته، وإحضار الحاجة بقلبه من غير أن ينطق بلسانه. وحكى أن رجلا جاء إلي أبي يزيد، وقال: أيها الشيخ! إن الناس قد احتاجوا إلي المطر، فادع الله يرزقهم ذلك، فقال أبو يزيد: يا غلام! أصلح الميزاب، فلم يفرغ الغلام من إصلاح الميزاب حتى جاء المطر، ولم يتكلم بشىء.

((الحليم)) هو الذي لا يستفزه غضب، ولا يحمله غيظ علي استعجال العقوبة والمسارعة إلي الانتقام، وحاصلة راجع إلي التنزيه عن العجلة. وحظ العبد منه: أن يتخلق به ويحمل نفسه علي كظم الغيظ، وإطفاء ثائرة الغضب بالحلم. قال الشيخ أبو القاسم: وإنما يلذ حلمة لرجاء عفوه؟ لأنه إذا ستر في الحال بفضله، فالمأمول منه أن يغفر في المال بلطفه. وروى أن بعضهم رئى في المنام بعد وفاته، فتيل له: ما فعل الله بك؟ قال: أعطانى صحيفتى، فمررت بزلة استحييت أن أقرأها، فقلت: إلهي لا تفضحنى! قال: حين فعلتها ولم تستحي ما فضحتك، أفأفضحك وأنت تستحي!.

قال الإمام فخر الدين: ليس الوصف بالحلم أنه لا يحمله غيظ علي استعجال العقوبة علي الإطلاق، فإن الذي لا يعجل الانتقام إذا كان علي عزمه سمى حقودًا، ولم يسم حليمًا، بل الحليم هو الذي لا يقصد الانتقام علي الجزم، وأعرض عن إظهاره، والعَفُوُّ هو الذي أعرض عنه بعد إظهاره. قال القاضى: الفرق بين الحقود والحليم: أن الحقود يؤخي الانتقام انتهازًا للفرصة، والحليم يؤخره انتظارًا للتوبة.

((العظيم)) أصله من عظم الشىء إذا كبر عظمه، ثم استعير لكل جسم كبير المقدار كبرًا يملأ العين، كالجمل والفيل، أو كبرًا يمنع إحاطة البصر بجميع أقطاره كالأرض والسماء. ثم لكل شىء كبير القدر عظيم المرتبة علي هذا القياس، والعظيم المطلق البالغ إلي أقصى مراتب

<<  <  ج: ص:  >  >>