للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحق، الوكيل، القوي، المتين، الولي، الحميد، المحصي، المبديء، المعيد،

ــ

والمعنى أنه تعالي يشهد علي الخلق يوم القيامة، وهو علي الوجهين من صفات المعانى؛ لأن مرجعه إما إلي العلم أو إلي الكلام.

وحظ العبد منه: أن يسعى في التزكية والتصفية حتى يصير من أهل الشهود، وينخرط في سلك المخاطبين بقوله تعالي: ((وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا)). قال الشيخ أبو القاسم: إن أهل المعرفة لم يطلبوا مع الله مؤنًا سواه، ولا أحدًا يشكون بين يديه غيره، بل رضوا به شهيدًا لأحوالهم عليمًا بأمورهم، وكيف لا، وهو يعلم السر وأخفي، ويسمع النجوى، ويكشف البلوى، ويجزل الحسنى، ويصرف الردى، وأنشد:

أنتم سرورى وأنتم مشتكى حزنى وأنتم في سواد الليل سماوى

وإن تكلمت لم ألفظ بغيركم ... وإن سكت فأنتم عقد إضمارى

((الحق)) الثابت، وبإزائه الباطل الذي هو المعدوم، والثابت مطلقًا هو الله سبحانه، وسائر الموجودات من حيث أنها ممكنة لا وجود لها في حد ذاتها، ولا ثبوت لها من قبل أنفسها، وإياه عنى الشاعر بقوله:

ألا كل شىء ما خلا الله باطل

وهو بهذا المعنى من صفات الذات. وقيل: معناه المحق، أي المظهر للحق، أو الموجد للشىء حسبما تقتضيه الحكمة، فيكون من صفات الأفعال.

وحظ العبد منه: أن يرى الله تعالي حقًا وما سواه باطلا في ذاته، حقًا بإيجاده واختراعه، وأن له حكمة ولطفًا في كل ما يوجده، وإن خفي علينا كنهه. قال الشيخ أبو القاسم: الحق والحقيقة من صفات الخلق في اصطلاح هذه الطائفة، يعنون بالحق ما يعود إلي العقائد وأوصاف القلوب في المعارف، وبالحقيقة المعاملات والمنازلات، ومأخذ هذا الاصطلاح خبر حارثة حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((الكل حق حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ قال: أسهرت ليلي، وأظمأت نهارى)) فأشار بالحقيقة إلي المعاملات من سهر الليل وظمأ النهار.

((الوكيل)) القائم بأمور العباد، وتحصيل ما يحتاجون إليه. وقيل: الموكول إليه تدبير البرية، وهذا الأمر ينبىء عن أمرين: أحدهما عجز الخلق عن القيام بمجامع أمورهم كما ينبغي، إذ الغالب أن العاقل لا يكل أمره إلي غيره إلا إذا تعذر، أو تعسر عليه. وثإنيهما: أنه تعالي عالم بحالهم قادر علي ما يحتاجون إليه، رحيم بهم، فإن من لم يستجمع هذه الصفات لا يحسن توكيله.

<<  <  ج: ص:  >  >>