للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ــ

وحظ العبد منه: أن يكل إليه، ويتوكل عليه، ويستكفي بالاستعانة به عن الاستمداد بغيره، ويقوم بأمور الناس، ويسعى في إنجاح مآربهم، وتحصيل مطالبهم. قال الشيخ أبو القاسم: إذا تولي الله تعالي أمر عبد بجميل الكفاية، كفاه كل شغل، وأغناه عن كل غير ومثل. فلا يستكثر العبد حوائجه؛ لأنه يعلم أن كافيه مولاه، ولهذا قيل: من علامات التوحيد كثرة العيال علي بساط التوكل. ومن عرف أنه وكيله، وصدق عليه تعويله، فبالحرى أن يكون وكيله تعالي علي نفسه في استيفاء حقوقه ولوازمه، واقتضاء أوامره وفرائضه، فيكون خصمه تعالي علي نفسه ليلاً ونهارًا، ولا يفتر لحظة، ولا يجوز التقصير منه. وأنشد:

علي رقيب منك حال بمهجتى إذا رمت تسهيلاً عليَّ تصعبا

((القوى، المتين)) القوة تطلق علي معانى مرتبة، أقصاها القدرة التامة البالغة إلي الكمال، والله تعالي قوى بهذا المعنى، والمتانة شدة الشىء واستحكامه، وهي في الأصل مصدر متن إذا قوى ظهره، ومرجعهما إلي الوصف بكمال القدرة وشدتها. وحظ العبد منه: أن يقوى نفسه بحيث يغلب أولا علي هواه، فيؤثر فيه ولا يتأثر عنه، ثم إلي ما عداه فلايلتفت إلي سوى الله ولا ينغفل عنه.

قال الشيخ أبو القاسم: اعلم أنه تعالي علي ما يشاء قدير، لا يخرج عن قدرته مقدور، كما لا ينفك عن حكمته مفطور، وهو تعالي في إمضائه غير مستظهر بجند ومدد، ولا يستعين بجيش وعضد، إن أراد إهلاك عبد أهلكه بيده، حتى يخرج علي نفسه فيتلف نفسه إما خنقًا أو غرقًا، سمعت الشيخ أبا علي الدقاق يقول: خف من لا يحتاج إلي عون عليك، بل لو شاء إتلافك أخرجك علي نفسك، حتى يكون هلاكك علي يدك. وأنشد:

إلي حتفي مش قدمى أرى قدمى أراق دمى

ومن علم أن مولاه قدير علي ما يريد، يقطع رجاءه عن الأغيار، ويفرد سره لمن لم يزل ولا يزال.

((الولي)) المحب الناصر، وقيل: معناه متولي أمر الخلائق. وحظ العبد منه: أن يحب الله ويحب أولياءه، ويجتهد في نصره ونصر أوليائه، وقهر أعدائه، ويسعى في ترويج حوائج الناس ونظم مصالحهم، حتى يتشرف بهذا الاسم. قال الشيخ أبو القاسم: ومن أمارات ولايته لعبد أن يديم توفيقه حتى لو أراد سوءًا، أو قصد محظورًا عصمه عن ارتكابه، ولو جنح إلي تقصير في طاعته أبي إلا توفيقًا له وتأييدًا، وهذا من أمارات السعادة، وعكس هذا من أمارات الشقاوة.

ومن أمارات ولايته: أن يرزقه مودة في قلوب أوليائه، فإنَّ الله تعالي ينظر إلي قلوب أوليائه في كل وقت، فإذا رأي في قلوبهم لعبد محلا نظر إليه باللطف، وإذا رأي همة ولي من أوليائه بشأن عبد، أو سمع دعاء ولي في شأن شخص، يأبي إلا الفضل والإحسان إليه، بذلك أجرى

<<  <  ج: ص:  >  >>