للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ــ

ورابعها: أنها من الحبة، وهي بذور تنبت في الصحراء، فالمحبة شجرة تغرس في الفؤاد، وتسقى بماء الوفاء، أصلها ثابت في السر، وفرعها ثابت في الهوى، وثمراتها لطائف الأنس تؤتى أكلها دائمًا، جوره أحلي من عدله، ومنعة أشهي من بذلة، ورده أحظى من قبوله، ولا يودى قتيله، ولا يسلك إلا بنعت التحمل سبيله.

((المجيد)) مبالغة الماجد من المجد، وهو سعة الكرم، من قولهم: مجدت الماشية إذا صادفت روضة أنفا، وأمجدها الراعى. ومنه قولهم: في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار، والمرخ والعفار شجرتان إذا دلكت أحدهما بالأحرى اصطلم النار منهما. واستمجد أي استكثر. وحظ العبد منه: أن يعامل الناس بالكرم وحسن الخلق، ليكون ماجدًا فيما بينهم.

قال الشيخ أبو القاسم: ((المجيد)) في وصفه تعالي، قيل: بمعنى العظيم الرفيع القدر، فهو فعيل بمعنى مفعل. وقيل: معناه الجميل العطاء، فهو فعيل بمعنى فاعل مبالغة. وكل وصف من أوصافه يحتمل معنيين، فمن أثنى عليه بذلك الوصف فقد أتى بالمعنيين، وكل من قال له مجيد فقد وصفه بأنه عظيم رفيع القدر، وأنه محسن جزيل البر. ومن أعظم ما ينعم الله علي عباده، حفظه عليهم توحيدهم ودينهم، حتى لا يزولوا ولا يزيغوا، إذ لولا لطفه وإحسانه لضلوا وارتدوا. ومن وجوه إحسانه إليهم الذي لا يخفي علي أكثر الخلق حفظة عليهم قلوبهم، وتصفيته لهم أوقاتهم، فإن النعمة العظمى نعم القلوب كما أن المحنة الكبرى محن القلوب. ويحكى عن بعضهم قال: رأيت رجلا يطرف بالبيت، وهو يقول: واوحشتاه بعد الأنس! واذلاه بعد العز! وافقراه بعد الغنى! قال: فقلت: أذهب لك مال أم أصابتك مصيبة؟ قال: لا، ولكن كان لي قلب فقدته.

((الباعث)) هو الذي يبعث* ما في القبور، ويحيي الأموات يوم النشور. وقيل: هو باعث الرسل إلي الأمم. وقيل: هو باعث الهمم إلي الترقى في ساحات التوحيد، والتنقى من ظلم صفات العبيد، وهو في الجملة من صفات الأفعال. وحظ العبد منه: أن يؤمن أولاً بمعنييه، ويكون مقبلاً بشراشره علي استصلاح المعاد، والاستعداد ليوم التناد، منقادًا بطبعه للرسل، سالكًا ما يهديهم من السبل، ويحيى النفوس الجاهلة بالتعليم والتذكير، فيبدأ بنفسه، ثم بمن هو أقرب منه منزلة وأدنى رتبة. ويكون معنى الباعث في وصفه أنه يبعث الخواطر الخفية في الأسرار، فمن دواع تبعثها إلي الحسنات، ومن دواع تبعثها إلي السيئات، ومن موفق لاستحقاق وطلب، ومن مخذول لا لعلة وسبب.

((الشهيد)) من الشهود، وهو الحضور، ومعناه العليم بظاهر الأشياء، وما يمكن مشاهدتها، كما أن الخبير هو العليم بباطن الأشياء، وما لم ممكن الإحساس بها. وقيل: مبالغة الشاهد،

<<  <  ج: ص:  >  >>