أيامه، ويعد آثامه، فيشكر جميل ما يوليه ربه، ويعتذر من قبيح ما تأتيه نفسه، ويذكر الأيام الماضية.
والتأسف علي ما سلف من الأوقات الصافية صفة الأكثرين من هذه الطائفة؛ إذ قل كثير منهم إلا ولهم من هذه القصة حصة، وها هو سيد هذه الطائفة أبو القاسم جنيد، يقول: لا أزال أحن إلي بدو إرادتي وحدة سمعي وركوبي الأهوال، طمعا في الوصال، وها أنا في أوقات الفترة أبكي علي الأيام الماضية. وأنشد:
منازل كنت تهواها وتألفها ... أيام كنت علي الأيام منصور
وقال الله تعالي:} وذكرهم بأيام الله {،واعجبا للقلوب التي منيت بالبعاد بعد الوصلة، وأطلقها سبحانه الغيبة بعد أنس القربة! كيف لا تنقطع آسفا، ولا تتفتت حسرة ولهفا؛ لأن هذا العظيم من المحنة شديد الوقعة.
((المبدئ، المعيد)) قال الشيخ أبو القاسم: المبدئ المظهر للشيء من العدم إلي الوجود، وهو بمعنى الخالق المنشيء، والإعادة خلق الشيء بعد ما عدم، والله تعالي قادر علي إعادة المحدثات ((إذا عدمت جواهرها وأعراضها))،خلافا لمن قال: الإعادة خلق مثله لا إعادة عينه.
وذلك إذا كان مقدورا قبل أن خلقه، فإذا عدم بعد وجوده أعاد إلي ما كان قبله عليه. ويجوز أن تكون الإعادة جمع الأجزاء المتفرقة من المكلفين، فإذا بعث الخلق وحشرهم فقد أعادهم.
وحظ العبد منه: أن يسعى في إبداء الخيرات، وتأسيس الحسنات، وإعادة ما انقطع عنها، واضمحل حتى يصير ذا حظ من آثار هذين الاسمين العظيمين. ومن معنى هذا الاسم إعادة الله تعالي للعبد عوائده، وفوائده وألطافه، وإحسانه وإسعافه، وقد أجرى الله تعالي سنته بأن ينعم علي عباده عودا علي بدء، وأن الكريم من يربى صنائعه. وأنشد:
بدأت بإحسان، وثنيت بالرضا ... وثلثت بالنعمى، وربعت بالفضل
((المحيي المميت)) الإحياء خلق الحياة في الجسم والإماتة إزالتها عنه. فإن قيل: الموت عدم الحياة، والعدم لا يكون بالفاعل. قلت: العدم الأصلي كذلك، فأما العدم المتجدد، فهو بالفاعل، ولكن الفاعل لا يفعل العدم، وإنما يفعل ما يستلزمه، قال الله تعالي:} وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم {أسند الموت الثاني إلي أفعاله دون الموت الأول، المراد به