قال الشيخ أبو القاسم: والأولون قالوا: هذه المعإني الثلاثة مستحقة لله تعالي، ولكن لفظ التوحيد فيه حقيقة في نفي القسم، مجاز في الثاني، والتوحيد الحكم بأن الواحد واحد، ويكون ذلك الحكم بالقول، وبالعلم، وقد يكون بالإشارة إذا عقد علي أصبع واحد. والتوحيد ثلاثة: توحيد الحق تعالي لنفسه، وهو علمه بأنه واحد، وإخباره عنه بأنه واحد، وتوحيد العبد للحق بهذا المعنى، وتوحيد الحق للعبد، وهو إعطاؤه التوحيد له، وتوفيقه لذلك. قال الشبلي: التوحيد للحق والخلق طفيل. وقال الجنيد: التوحيد له إفراد القدم من الحدث. وقيل: التوحيد إسقاط اليآات، أي لا يقول:((بى)) ولا ((منى)) ولا ((لي)).وقيل: التوحيد فناء الاسم لظهور الاسم، وقيل: ثبور الخلق لظهور الحق.
((الصمد)) السيد، سمي بذلك؛ لأنه يصمد إليه في الحوائج، ويقصد إليه في الرغائب، من صمدت الأمر إذا قصدته. وقيل: إنه المنزه عن أن يكون بصدد الحاجة أو في معرض الآفة، مأخوذ من الصمد بمعنى المصمد، وهو الصلب الذي لا جوف له. ومن كان يقصده الناس فيما يعن لهم من مهام دينهم ودنياهم، فله حظ من هذا الوصف، أو من رسخ في التوحيد، وصار متصلبا في الدين، لا يتزلزل بتقادم الشبهات، وتعاقب البليات، فقد حظى منه. قال الشيخ أبو القاسم: الصمد قيل: معناه: الباقي الذي لا يزول، وقيل: الدائم.
ومن حق من عرفه بهذا الوصف أن يعرف نفسه بالفناء والزوال، ووشك الارتحال، ويلاحظ الكون بعين الفناء فيزهد في حطامها، ولا يرغب في حلالها فضلا عن حرامها. وقيل: هو الذي لا يطعم، ولكن يطعم، فمن عرفه به تتوجه رغائبه عند مآربه إليه، ويصدق توكله في جميع حالاته عليه، فلا يتهمه في رزقه كما أنه لم يستغن بأحد في خلقه، كذلك لا يشاركه في رزقه، وقضاء حوائجه غيره. وإذا عرف أنه الذي يصمد إليه في الحوائج، شكا إليه حاجته وفاقته، ورفع إليه، ويملق بجميل تضرعه، ويقرب بصنوف توسله. وعن بعضهم أنه زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: إلهي إن غفرت لي سررت نبيك هذا، وإن رددتني أشمت عدوك الشيطان، وأنا لا أتوفع منك أن تؤثر عدوك علي سرور نبيك.
((القادر المقتدر)) معناهما ذو القدرة، إلا أن المقتدر أبلغ لما في البناء من معنى التكلف والاكتساب، فإن ذلك وإن امتنع في حقه تعالي حقيقة لكنه يفيد المعنى مبالغة، ونظيره سافرت وغادرت لواحد، ومن حقهما أن لا يوصف بهما مطلقا غير الله، فإنه القادر بالذات، والمقتدر علي جميع الممكنات، وما عداه فإنما يقدر بإقداره علي بعض الأشياء في بعض الأحوال، فحقيق به أن لا يقال له: إنه قادر إلا مقيدا، أو علي قصد التقييد.
قال الشيخ أبو القاسم: ومن عرف أنه قادر علي الكمال خشي سطوات عقوبته عند ارتكاب مخالفته، وأمل لطائف رحمته، وزوائد نعمته عند سؤاله وحاجته، لا بوسيلة طاعته، ولكن بإسداء كرمه ومنته. وكذلك من عرف أن مولاه قدير، ترك الانتقام ثقة بأن صنع الحق له،