للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وانتصاره له أتم من انتقامه لنفسه، ولهذا قيل: احذروا من لا ناصر له غير الله، قال الله تعالي:} إن بطش ربك لشديد {.

((المقدم المؤخر)) هو الذي يقدم الأشياء بعضها علي بعض، إما بالوجود، كتقديم الأسباب علي مسبباتها، أو بالشرف والقربة، كتقديم الأنبياء والصالحين علي من عداهم، أو بالمكان كتقديم الأجسام العلوية علي السفلية، والصاعدات منها علي الهابطات، أو بالزمان كتقديم الأطوار والقرون بعضها علي بعض. وعن بعض العارفين: المقدم من قدم الأبرار بفنون المار، والمؤخر من أخر الفجار، وشغلهم بالأغيار. وحظ العبد منه: أن يهتم بأمره فيقدم الأهم فالأهم، كما ورد ((كن في الدنيا كأنك تعيش أبدا، وفي الآخرة كأنك تموت غدا)) فإنه يستدعي تقديم أمر الآخرة، والاستعجال فيها، وتأخير أمور الدنيا والتإني فيها، فإن من وجد في الأمر مهلة أخره، وتساهل فيه، ومن ضاق عليه وقت فعل، قدمه وسارع إليه.

قال الشيخ أبو القاسم: إن أولياء الله مختلفون، فمنهم من يتقدم بجهده وعبادته، ويتكلف أن لا يتخلف عن أشكاله في موافقته. وأنشد:

السباق السباق قولا وفعلا ... حذر النفس حسرة المسبوق

ومنهم من لم يروا لأنفسهم استحقاق التقدم، وكانت همتهم السلامة فحسب. وقال أبو سعيد الخزاز: لو خيرت بين القرب والبعد، آثرت البعد علي القرب. وأنشد:

وما رمت الدخول عليه حتى ... حللت محله العبد الذليل

وأغضيت الجفون علي قذاها ... فمضت النفس عن قال وقيل

ومنه ما روى ابن عبد البر في الاستيعاب: حضر الناس باب عمر رضي الله عنه، وفيهم سهيل بن عمرو، وأبو سفيان، وأولئك الشيوخ من قريش، فخرج آذنه، فجعل يأذن لأهل بدر، كصهيب وبلال، فقال أبو سفيان: ما رأيت كاليوم قط، إنه ليؤذن لهؤلاء العبيد، ونحن جلوس لا يلتفت إلينا! فقال سهيل: أيها القوم! إنى والله أرى الذي في وجوهكم، فإن كنتم غضابا فاغضبوا علي أنفسكم دعى القوم ودعيتم، فأسرعوا وأبطأتم. أما والله لما سبقوكم من الفضل أشد عليكم فوتا من بابكم هذا الذي تنافسون عليه ثم نفض ثوبه، وقام ولحق بالشام قاصدا الغزو، فقال الحسن- وياله من رجل ما كان أعقله! وصدق-:والله لا يجعل الله عبدا أسرع إليه كعبد أبطأ عنه. والله أعلم.

((الأول والآخر والظاهر والباطن)) ((الأول)) السابق علي الأشياء؛ فإنه موجدها ومبدعها. ((الآخر)) الباقي وحده، بعد أن يفنى الخلق كله، أو الذي هو منتهي السلوك، فإنه منه بدأ وإليه يعود. ((الظاهر)) الجلي وجوده بآياته الباهرة في أرضه وسمائه. و ((الباطن)) المحتجب

<<  <  ج: ص:  >  >>