للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وإليه ندبهم، فقال عز من قائل:} وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم {. وإن الكريم إذا عفا، حفظ قلب المسئ عن الاستيحاش بتذكره سوء فعله، بل يزيد عنه تلك الخجلة بما يسبل عليه من ثوب العفو، ويفيض عليه من ذيول الصفح، وعفو الله تعالي عن العباد ليس مما يستقصي بالعبارات كنه معإنيه.

وروى أن بعضهم قال في آخر مجلس له. اللهم اغفر لأقسانا قلبا، وأجمدنا عينا، وأقربنا بالمعصية عهدا، وكان حاضر المجلس مخنثا، فقال: أعد هذه الدعاء فإني أقساكم قلبا، وأجمدكم عينا، وأقربكم بالمعاصي عهدا، قال: فرأيت في الليلة الثانية في المنام رب العزة يقول: سرني حيث أوقعت الصلح بيني وبين عبدي، وقد غفرت لك ولأهل مجلسك.

((الرءوف)) ذو الرأفة، وهي شدة الرحمة، فهو أبلغ من الرحيم بمرتبة، ومن الراحم بمرتبتين. وقيل: الفرق بين الرأفة والرحمة، أن الرأفة إحسان مبدأه شفقة المحسن، والرحمة إحسان مبدأه فاقة المحسن إليه. قال الشيخ أبو القاسم: ومن رحمته بعباده أن يصونهم عن موجبات عقوبته، فإن عصمته عن الزلة أبلغ في باب الرحمة من غفران المعصية، ومن رحمته بعبده أن يصونه عن ملاحظة الأغيار والاعتلال، ورفع الحوائج إلي الأمثال والأشكال، بصدق الرجوع إلي الملك الجبار، وبحسن الاستغناء به في جميع الأحوال.

وقال رجل لآخر: ألك حاجه؟ فقال: لا حاجة لي إلي من لا يعلم حاجتي. وأن الله تعالي ربما يدني العبد من المحبة، ثم يجري عليه بعد يأسه بفتح باب الرحمة، قال الله تعالي:} وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته {،وإذا كانت الحسنى بعد اليأس كان أوجب للسرور والاستئناس. وعن بعضهم: أنه كان في جيرانه رجل شرير فمات، فرفعت جنازته، قال: فتنحيت من الطريق؛ لئلا يحتاج إلي الصلاة عليه، فرؤى في المنام علي حالة حسنة، فقال له الرائى: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، وقال: قل لفلان:} لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق {.

((مالك الملك)) هو الذي ينفذ مشيئته في ملكه، يجري الأمور فيه علي ما يشاء، لا مرد لقضائه، ولا معقب لحكمه.

((ذو الجلال والإكرام)) هو الذي لا شرف ولا كمال إلا وهو له، ولا كرامة ولا مكرمة إلا وهي منه. قال الشيخ أبو القاسم: جلاله، وكبرياؤه، وعلوه، وبهاؤها كونه الحق بالوصف الذي يحق له العز والإكرام، قريب من معنى الإنعام، إلا أنه أخص؛ لأنه ينعم علي من لا يقال أكرمه، ولكن لا يكرم إلا من يقال أنعم عليه. ومن عرف جلاله تذلل وتواضع له، ومن

<<  <  ج: ص:  >  >>