عرف إكرامه لا يشكر غيره، فإذا كان الحق ينعم، والعبد يشكر غيره، وهو يرزق والعبد يخدم غيره، وهو يعطي والعبد يسأل غيره، فقد أخطأ طريق الرشد، وسلك سوء الطريق.
((المقسط)) الذي ينتصف للمظلومين، ويدرأ بأس الظلمة عن المستضعفين، يقال: قسط إذا جار، وأقسط إذا عدل وأزال الجور. وحظ العبد منه: أن يتجنب الظلم رأسا أولا علي نفسه، ثم علي غيره، ويسعى لوجه الله في إماطته حسب منته وطاقته، حتى يكون من المسلمين بطاعته، ومن المستوجبين لمحبته.
((الجامع)) هو المؤلف بين أشتات الحقائق المختلفة والمتضادة، متحاورة وممتزجة في الأنفس والآفاق، ويستجمع للحشر الأجزاء المتفرقة المتبددة، ويعيد من تأليفها الأبدان كما كان. ثم يجمع بينها وبين أرواحها المفرقة، فيحييها، ثم يجمعهم للجزاء في موقف الحساب. فمن جمع بين العلم والعمل، ووافق الكمالات النفسإنية بالآداب الجسمإنية، فله حظ من ذلك.
قال الشيخ أبو القاسم: وقد يجمع الله اليوم قلوب أوليائه إلي شهود تقديره، حتى يتخلص من أسباب التفرقة فيطيب عيشه؛ إذ لا راحة للمؤمن دون لقاء الله، فلا يرى الوسائط، ولا ينظر إلي الحادثات إلا بعين التقدير، إن كان نعمة علم أن الله هو المعطي لها، وإن كان شدة علم أن الله هو الكاشف لها ومزيجها. وأنشد:
فلا ألبس الدنيا وغيرك ملبسى ... ولا أقبل الدنيا وغيرك واهبى
((الغني)) هو الذي يستغني عن كل شيء لا يحتاج إليه في ذاته، ولا في شيء من صفاته؛ لأنه الجامع من جميع جهاته.
((المغني)) هو الذي وفر علي كل شيء ما يحتاج إليه حسب ما اقتضته حكمته، وسبقت به كلمته، فأغناه من فضله. والعبد إذا قطع الطمع عما في أيدي الناس، وأعرض عن السؤال عنهم، والتوقع منهم رأسا بحيث لم يبق له حاجة إلا إلي الله، وسعى في سد خلة المحتاجين فاز بحظ أوفر من هذين الاسمين، مع أنهما علي الإطلاق لا يصدقان إلا علي الله تعالي.
قال الشيخ أبو القاسم: إن الله تعالي يغني عباده بعضهم عن بعض علي الحقيقة؛ لأن الحوائج لا تكون إلا إلي الله، فمن أشار إلي الله تعالي، ثم رجع عند حوائجه إلي غير الله ابتلاه الله تعالي بالحاجة إلي الخلق، ثم ينزع الرحمة من قلوبهم، ومن شهد محل افتقاره إلي الله تعالي فرجع إليه بحسن العرفان أغناه من حيث لا يحتسب، وأعطاه من حيث لا يرتقب. وإغناء الله العباد علي قسمين، منهم من يغنيه بتنمية أمواله، ومنهم من يغنيه بتصفية أحواله، وهذا هو المغني الحقيقي.
((المانع)) هو الذي يمنع أسباب الهلاك، والنقصان في الأبدان والأديان، ولما كان المنع من