للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مقدمات الحفظ أعني حفظ ما يفضي إلي الفساد، ويؤدي إلي الهلاك، صار كونه مانعا من مقدمات كونه حفيظا. قال الشيخ أبو القاسم: المانع في وصفه تعالي يكون بمعنى منع البلاء عن أوليائه، ويكون بمعنى منع العطاء عمن شاء من عباده وأوليائه وأعدائه. وقد يمنع المنى والشهوات من نفوس العوام، ويمنع الإرادات والاختيارات عن قلوب الخواص، ويمنع الشبه عن القلوب، والبدع من العقائد، والمخالفات في الأوقات، والزلل من النفوس، وهو من أجل النعم التي يخص بها عباده المقربين، ويكرم بها أولياءه المنتجيين، جعلنا الله من جملتهم وحشرنا في زمرتهم، ويرحم الله عبدا قال: آمينا.

((الضار النافع)) اعلم أن مجموع الوصفين كوصف واحد، وهو الوصف بالقدرة التامة الشاملة، فهو الذي يصدر عنه النفع والضر، فلا خير ولا شر، ولا نفع ولا ضر إلا وهو صادر عنه، منسوب إليه، إما بواسطة أو بغير واسطة. قال الشيخ أبو القاسم: وفي معنى الوصفين إشارة إلي معنى التوحيد، وهو أنه لا يحدث شيء في ملكه إلا بإيجاده، وحكمه وقضائه، وإرادته ومشيئته، فمن استسلم بحكمه عاش في راحة، ومن آثر اختياره وقع في كل آفة، وقد ورد ((أنا الله لا إله إلا أنا، من استسلم لقضائي، وصبر علي بلائي، وشكر نعمائي؛ فليطلب ربا سواي)).

وإذا عرف العبد ذلك فوض الأمور إليه، وعاش في راحة من الخلق، والخلق في راحة منه، فيبذل النصح من نفسه، ولم يستشعر الغش والخيانة لغيره، وورد ((اطلبوا الفضل عند الرحماء من عبادي تعيشوا في أكنافهم، فإني جعلت فيهم رحمتي، ولا تطلبوها من القاسية قلوبهم، فإن فيهم غضبي))،وإن رحمة الحق تعالي بالعبد أتم من رحمة بعضهم لبعضهم.

((النور)) هو الظاهر بنفسه، المظهر لغيره، ولا شك في أن الوجود إذا قوبل بالعدم، كان الظهور للوجود، والخفاء للعدم، ولما كان الباري تعالي موجودا بذاته، مبرأ عن ظلمة العدم، وإمكان طروئه، وكان وجود سائر الأشياء فائضا عن وجوده، صح إطلاق لفظ النور عليه. وحظ العبد منه أن يضئ قلبه بنور معرفته، فإن انشراح القلب وإضاءته بالمعرفة، كما قال تعالي:} ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور {.

قال الشيخ أبو القاسم: الله نور السموات والأرض، ينور الآفاق بالنجوم والأنوار، والقلوب بفنون الدلائل، وصنوف الحجج والملاطفات، والأبدان بآثار الطاعات؛ لأن العبادات زينة النفوس والأشباح، والمعارف زينة القلوب والأرواح، والتأييد بالموافقات نور الظواهر، والتوحيد بالمواصالات نور السرائر، وإن الله تعالي يزيد قلب العبد نورا علي نور، يهدي الله لنوره من

<<  <  ج: ص:  >  >>