يشاء، ويهدي القلوب إلي محاسن الأخلاق ليؤثر الحق ويصطفيه، ويترك الباطل ويدع ما يستدعيه.
((الهادي)) هو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى. والذي هدى خاصة عباده إلي معرفة ذاته، فاطلعوا بها علي معرفة مصنوعاته، وهدى عامة خلقه إلي مخلوقاته حتى استشهدوا بها علي معرفة ذاته وصفاته. والمحظوظ في هذا الاسم من الناس من أرشد الخلق إلي الحق القويم، وهداهم إلي الصراط المستقيم، وهم الأنبياء، ثم العلماء الوارثون لهم.
قال الشيخ أبو القاسم: يهديهم ربهم، يكرم قوما بما يلهمهم من جميل الأخلاق، ويصرف قلوبهم إلي ابتغاء ما فيه رضاه، ويهديهم إلي استصغار قدر الدنيا، واستحقار كرائمها، حتى لا يسترقهم ذل الأطماع، ولا تستعبدهم أخطار المستحقرات، فلا يتدنسون بالركون إلي كل خسيسة، ولا يتلبسون بتعاطي كل نفيسة،} ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة {.والهداية إلي حسن الخلق ثإني الهداية إلي اعتقاد الحق؛ لأن الدين شيئان، صدق مع الحق، وخلق مع الخلق.
((البديع)) المبدع وهو الذي أتى بما لم يسبق إليه. وقيل: هو الذي لم يعهد مثله. والله سبحانه وتعالي هو البديع مطلقا بالمعنيين، أما الأول فظاهر، وأما الثاني؛ فلأنه لا مثل له في ذاته ولا نظير له في صفاته وأفعاله، ومرجعه بالمعنى الأول إلي صفات الأفعال، وبالمعنى الثاني إلي صفات التنزيه. وحظ العبد منه: أن يتأمل عجائب صنعه ليرى غرائب حكمته، وليحقق كمال قدرته، وأنه هو المبدع وحده، وكل من أبدع شيئا خلاف ما أبدعه فهو مبتدع، فلا تتبعه.
قال الشيخ أبو القاسم: ومن آداب من عرف هذا الاسم لله: أن يجتنب البدعة، ويلازم السنة، والبدعة ما ليس لها أصل في الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة، قال تعالي:} فليحذر الذين يخالفون عن أمره {وقال:} وإن تطيعوه تهتدوا {.وقال أبو عثمان الحيرى: من أمر السنة علي نفسه قولا وفعلا، نطق بالحكمة، ومن أمر الهوى علي نفسه قولا وفعلا نطق بالبدعة. وقال سهل بن عبدالله التستري: أصول مذهبنا ثلاثة: الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في الأخلاق والأفعال، والأكل من الحلال وصدق المقال، وإخلاص النية في جميع الأعمال. وقال أيضل: من داهن مبتدعا سلبه الله حلاوة السنن، ومن ضحك إلي مبتدع نزع الله نور الإيمان من قلبه. وسمعت الشيخ أبا علي الدقاق يقول: من استهان بأدب من آداب الإسلام عوقب بحرمان السنة، ومن ترك سنة عقوب بحرمان الفريضة، ومن استهان بالفرائض قيض الله مبتدعا يذكر عنده باطلا، فيوقع في قلبه شبهة. وفقنا الله لمتابعة السنة، وعصمنا من اتباع البدعة.