الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور)).رواه الترمذي، والبيهقي في ((الدعوات الكبير)) وقال الترمذي: هذا حديث غريب. [٢٢٨٨]
ــ ((الباقي)) الدائم الوجود الذي لا يقبل الفناء. قال الشيخ أبو القاسم: حقيقة الباقي من له البقاء، ولا يجوز أن يكون الباقي باقيا ببقاء في غيره. ومما يجب أن يشتد العناية به: أن يتحقق العبد أن المخلوق لا يجوز أن يكون متصفا بصفات الحق تعالي؛ فلا يجوز أن يكون العبد عالما بعلم الحق، ولا قادر بقدرته، ولا سميعا بسمعه، ولا بصيرا ببصره، ولا باقيا ببقائه؛ لأن الصفة القديمة لا يجوز قيامها بالذات الحادثة، كما لا يجوز قيام الصفة الحادثة بالذات القديمة.
وحفظ هذا الباب أصل التوحيد، وإن كثيرا ممن لا تحصيل له ولا تحقيق زعموا: أن العبد يصير باقيا ببقاء الحق، سميعا بسمعه، بصيرا ببصره. وهذا خروج عن الدين وانسلاخ عن الإسلام بالكلية، وربما تعلقوا في نصرة هذه المقالة الشنيعة بما روى في الخبر ((فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا، فبي يسمع وبي يبصر)).ولا احتجاج لهم في ظاهره، إذ ليس فيه أنه يسمع بسمعي، ويبصر ببصري، بل قال: بي يسمع))،قال النصر آبادى: الله تعالي باق ببقائه، والعبد باق بإبقائه. ولقد حقق رحمه الله وحصل، وأخذ عن نكتة المسألة وفصل.
((الوارث)) الباقي بعد فناء الموجودات، فترجع إليه الأملاك بعد فناء الملاك، وهذا بالنظر العامى، وأما بالنظر الحقيقي: فهو المالك علي الإطلاق من أزل الآزال إلي أبد الآباد، لم يتبدل ملكه ولا يزال، كما قيل: الوارث الذي يرث بلا توريث أحد، الباقي الذي ليس لملكه أمد.
((الرشيد)) الذي تنساق تدابيره إلي غاياتها علي سنن السداد، من غير استشارة وإرشاد. وقيل: هو المرشد، فعيل بمعنى مفعل، كالأليم والوجيع. والرشيد من العباد من هدى إلي التدابير الصائبة فيما يعن له من مقاصد الدين والدنيا، فيتبع مقتضى العقل والشرع، ويتجنب الهوى والطبع، لتصير آراؤه مصونة عن الخطر والزلل، وأفعاله مأمونة عن الفساد والخطل.
قال الشيخ أبو القاسم: إرشاد الله لعبده هدايته لقلبه إلي معرفته، هذا هو الإرشاد الأكبر الذي خص به أولياءه من المؤمنين، ثم إنه تعالي أرشد نفوس الزاهدين إلي طريق طاعته، وقلوب العارفين إلي سبيل معرفته، وأرواح الواحدين إلي حقيقة محبته، وأسرار الموحدين إلي