للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تطلع قربته. وأمارة من يرشده الحق لإصلاح نفسه أن يلهممه حسن التوكل عليه، وتفويض أموره بالكلية، واستخارته إياه في كل خطب، واستجارته به في كل شغل. فإن رجع بعد ما أرشده الله إلي ذاك عاتبه الله بما يعلم أنه كان منه سوء أدب، حنى يعود إلي سكونه، وترك اختياره واحتياله.

حكى أن إبراهيم بن أدهم جاع يوما، فأخرج شيئا كان معه، وأمر أن يرهن ويؤتى بشيء يأكله، فخرج الرجل، فاستقبله إنسان بين يديه بغلة موقرة طالبا إبراهيم بن أدهم، قال الرجل فقلت له: ما تريد منه؟ فقال: أنا غلام أبيه، وهذه الأشياء له، فدللته عليه، فدخل المسجد، وقال: أنا غلام أبيك ومعي أربعون ألف دينار ميراثا لك من أبيك. فقال: إن كنت صادقا فأنت حر لوجه الله، والذي معك كله وهبته منك، انصرف عني. فلما خرج، قال: يارب كلمتك في رغيف، فصببت علي الدنيا صبا! فوحقك لئن أمتني لم أتعرض بعده لطلب شيء.

((الصبور)) هو الذي لا يستعجل في قوله مؤاخذة للعصاة، ومعاقبة المذنبين. وقيل: هو الذي لا تحمله العجلة علي المسارعة إلي الفعل قبل أوانه، وهو أعم من الأول. والفرق بينه وبين الحليم: أن الصبور يشعر بأنه يعاقب بالآخرة بخلاف الحليم. وأصل الصبر حبس النفس عن المراد، فاستعير لمطلق التإني في الفعل. والعبد إذا حبس نفسه عما تدعو إليه القوى، وصبر علي مضض الطاعات، وترك الشهوات، حتى يترقى إلي جناب القدس، ومحل الكرامة والأنس فاز بالحظ الأوفي من هذا الإسم.

قال الشيخ أبو القاسم: رتبة العباد في الصبر علي أقسام: أولها التصبر، وهو تكلف الصبر، ومقاساة الشدة فيه، وبعد ذلك الصبر وهو سهولة تحمل ما يستقبله من فنون القضاء وصنوف البلاء وبعد ذلك الاصطبار، وهو النهاية في الباب، ويكون ذلك بأن يألف الضر فلا يجد مشقة بل يجد روحا وراحة. قال:

تعودت مس الضر حتى ألفته ... وأسلمني حسن العزاء إلي الصبر

وقيل: من شرط الصبر أن لا يتنفس بخلاف الإذن تحت جريان حكمه. وقيل: حقيقة الصبر تجرع البلاء من غير تعبس. وقيل: ينبغي أن يكون الصابر في حكمه، كالميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف يشاء. هذا، وإن المحققين من العلماء والراسخين منهم، قد صنفوا فيها مصنفات جمة ذات ذيول وأطراف، ولخصها القاضي تلخيصا غريبا، وكان أجمع للمقصود، وأشمل في المغزى، فآثرنا إيراده من غير تغيير، وأضفنا إليه من كلام الشيخ أبي القاسم القشيري مما لم يورده اختصارا لمعنى دعا إليه.

فإن قلت: قد سبق عن الشيخ التوربشتي: أن فائدة التأكيد بقوله: ((مائة إلا واحدة))

<<  <  ج: ص:  >  >>