للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٣٦٩ - وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال رجل لم يعمل خيرا قط لأهله- وفي رواية- أسرف رجل علي نفسه، فلما حضره الموت أوصى بنيه: إذا مات فحرقوه، ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحد من العالمين، فلما مات فعلوا ما أمرهم، فأمر الله البحر، فجمع ما فيه، وأمر البر فجمع ما فيه، ثم قال له: لم فعلت هذا؟ قال: من خشيتك يارب! وأنت أعلم، فغفر له)) متفق عليه.

ــ

الجنة بوعده، ومن عمل شر استحق النار بوعيده، وما وعد وأوعد منجزان، فكأنهما حاصلان. وقوله: ((ذلك)) إشارة إلي المذكور، أي النار مثل الجنة في كونها أقرب من شراك النعل.

الحديث الخامس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((لم يعمل خيرا قط)) صفة رجل، والمقول قوله: ((إذا مات)) إلي آخره، وقد تنازع فيه ((قال وأوصى)) في الروايتين. قوله: ((أسرف)) ((مح)):أي بالغ وغلا في المعاصي، والسرف مجاوزة الحد في الشيء. قوله: ((ثم اذروا)) ((نه)):يقال: ذرته الريح، وأذرته، تذروه، وتذريه إذا أطارته، ومنه تذرية الطعام. قوله: ((إذا مات فاحرقوه)) لو حكى ما تلفظ به الرجل، لكان ينبغي أن يقال: إذا مت فاحرقوني، ثم اذروا نصفي، ولو نقل معنى ما تلفظ به، لينبغي أن يقال: إذا مات فليحرقه قومه، ثم ليذروه، فعدل عن ضمير المتكلم إلي الغائب تحاشيا عن وصمة نسبة التحريق، وتوهم الشك في قدرة الله تعالي إلي نفسه.

قوله: ((فوالله لئن قدر الله)) ((اللام)) موطئة للقسم، وقوله: ((ليعذبنه)) جواب القسم. سدت مسد جواب الشرط. ((مح)): اختلفوا في تأويله علي وجوه، أولها قيل: لا يصلح حمله علي أنه أراد به نفي قدرة الله تعالي، فإن الشك فيها كفر، وقد قال في آخر الحديث: إنه إنما فعل هذا من خشية الله تعالي، فغفر له، والكافر لا يخشاه ولا يغفر له، فله تأويلان: أحدهما: لئن قدر علي العذاب، أي قضاه، يقال منه: قدر- بالتخفيف والتشديد- بمعنى واحد، والثاني: أن ((قدر)) بمعنى ضيق، قال تعالي:} فقدر عليه رزقه {وقال:} فظن أن لن نقدر عليه أحد {.

وثإنيهما: قيل: هو علي ظاهره، ولكن قاله وهو غير ضابط لكلامه، ولا قاصد حقيقة معناه، بل قاله في حالة غلب فيها الدهش، والخوف، والجزع، ولم يتدبر ما قاله، كالغافل والناسي، فلا يؤاخذ فيما قال. ونحوه قوله من قال حين وجد راحلته فرحا: ((أنت عبدي وأنا ربك)) ولم يكفر بذلك، وقد جاء في هذا الحديث من غير رواية مسلم ((فلعلي أضل الله)) أي أغيب عنه، وهذا يدل علي قوله: ((لئن قدر علي)) محمول علي ظاهره.

<<  <  ج: ص:  >  >>