للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الفصل الثاني

٢٤٦٤ - عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الأربع: من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يسمع)). رواه أحمد، وأبو داود،

وابن ماجه. [٢٤٦٤]

ــ

الفصل الثاني

الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((وعلم لا ينفع)) أي علم لا يهذب أخلاقه الباطنة، فيسري منها إلي الأفعال الظاهرة، ويفوز بها إلي الثواب الآجل. وأنشد:

يا من تقاعد عن مكارم خلقه ... ليس التفاخر بالعلوم الزاخرة

من لم يهذب علمه أخلاقه ... لم ينتفع بعلومه في الآخرة

قال أبو طالب المكي رحمه الله: وقد استعاذ صلى الله عليه وسلم من نوع من العلوم، كما استعاذ من الشرك والنفاق، ومساوئ الأخلاق، والعلم الذي لم يقرن بالتقوى، فهو باب من الدنيا والهوى.

وقال الشيخ أبو حامد: إن العلم من صفات الله تعالي، فكيف يكون مذموماً؟ اعلم أن العلم لا يذم لعينه، وإنما يذم لأحد أسباب ثلاثة: الأول أن يكون مؤدياً إلي ضرر إما بصاحبه، وإما بغيره، كعلم السحر والطلسمات، فإنهما لا يصلحان إلا للإضرار بالخلق، والوسيلة إلي الشر شر، والثاني أن يكون مضراً بصاحبه في ظاهر الأمر، كعلم النجوم فإنه كله مضرة وأقل المضرة فهي أنه خوض في فضول لا يعني، وتضييع العمر الذي هو أنفس بضاعة الإنسان بغير فائدة غاية الخسران، الثالث الخائض في علم لا يستقل به الخائض فيه، فإنه مذموم في حقه كتعلم دقيق العلوم قبل جليها، وكالبحث عن الأسرار الإلهية، إذ تطلع الفلاسفة والمتكلمون عليها، ولم يستقلوا بها، ولا يستقل بها ولا بالوقوف علي طرف بعضها إلا الأنبياء والأولياء، فيجب كف الناس عنها، وردهم إلي ما نطق الشرع به.

قوله: ((ومن دعاء لا يسمع)) ((نه)): أي لا يستجاب ولا يعتد به، فكأنه غير مسموع، يقال: اسمع دعائي، أي أجب؛ لأن غرض السائل الإجابة والقبول. اعلم أن في كل من القرائن ما يشعر بأن وجوده مبني علي غايته، وأن الغرض منه تلك الغاية، وذلك أن تحصيل العلم إنما هو للانتفاع بها، فإذا لم ينتفع لا يخلص منه كفافاً، بل يكون وبالاً، ولذلك استعاذ منه، وأن القلب إنما خلق لأن يتخشع لبارئه، وينشرح لذلك الصدر، ويقذف النور فيه، فإذا لم يكن

<<  <  ج: ص:  >  >>