الله صلى الله عليه وسلم بالحج؛ فأما من أهل بعمرة فحل، وأما من أهل بالحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر. متفق عليه.
ــ
قلت: ما فائدة التعرف فيه والتنكير في قرينته؟ قلت: التعرف فيه للعهد، والمعهود هو الحج الواقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والمتعارف فيما بين الصحابة من كونه مفرداً، وهو دليل قاطع للشافعي. ((خط)) و ((تو)): في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفرداً، وفي حديث أنس أنه كان قارناً، وذلك قوله:((وإنه ليصرخون بهما جميعاً الحج والعمرة)) وأراد بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أهل معه بما هو به، وقد بين ذلك في حديث آخر، وهو حديث صحيح قال: سمعت رسول اله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لبيك عمرة وحجاً معاً)). وفي الصحاح أن بكر بن عبد الله المزني- وهو الراوي عن أنس- حدث بهذا الحديث ابن عمر فقال:((لبى بالحج وحده)) قال: فلقيت أنساً، فحدثته بقول ابن عمر، فقال: ما يعدونا إلا صبيانا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((لبيك عمرة وحجاً معاً)).
والتوفيق بين هذه الروايات مشكل، ولابد منه، فإن ترك هذه الروايات علي حالها من الاختلاف من غير بيان جامع بينها مجلبة للشك في أخبار الصادق، وقد طعن فيها طائفة من الفئة الزائغة عن منهج الحق، فقالوا: اتفقتم أيتها الرواة علي أن نبيكم لم يحج من المدينة غير حجة واحدة، ثم رويتم أنه كان مفرداً، ورويتم أنه كان قارناً، ورويتم أنه كان متمتعاً، وصيغة هذه الأنساك متباينة، وأحكامها مختلفة، وتزعمون أن كل هذه الروايات مقبولة لصحة أسإنيدها، وعدالة رواتها.
فأجاب بذلك جمع من العلماء- شكر الله سعيهم- وقد اخترنا من ذلك جواباً نقل عن الشافعي- رحمة الله عليه- وزبدته: أن من المعلوم في لغة العرب جواز إضافة الفعل إلي الأمر كجواز إضافته إلي الفاعل له، كقولك: بنى فلان داراً، إذا أمر ببنائها، وضرب الأمير فلاناً إذا أمر بضربه. ومن هذا الباب رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزاً، وقطع يد سارق رداء صفوان ابن أمية. وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم المفرد، ومنهم القارن، ومنهم المتمتع، وكل منهم يصدر عن أمره وتعليمه، فجاز أن يضاف كل ذلك إليه. وقولاً ذكره الخطابي، فقال بعضهم: يحتمل أن يكون بعضهم سمعه يقول: ((لبيك بحجة)). وخفي عليه قوله:((وعمرة)) فحكى أنه كان مفرداً، ولم يحك إلا ما سمع، وسمعه آخر يول:((لبيك بحجة وعمرة)) فقال: كان قارناً، ولا ينكر الزيادات في الأخبار كما لا ينكر في الشهادات.
قال النواوي في شرح مسلم: اعلم أن أحاديث هذا الباب متظاهرة علي جواز إفراد الحج عن
العمرة، وجواز التمتع والقرآن، وقد أجمع العلماء علي جواز الأنواع الثلاثة، فالإفراد: أن يحرم
بالحج في أشهره، يفرغ منه، ثم يعتمر. والتمتع: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ويفرغ