للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ــ

منها، ثم يحج من عامه. والقران: أن يحرم بهما جميعاً، وكذا لو أحرم بالعمرة، ثم أحرم بالحج قبل طوافها صح قارناً. فلو أحرم بالحج، ثم أحرم بالعمرة، فقولان للشافعي، أصحهما لا يصح إحرامه بالعمرة، والثاني يصح ويصير قارناً، بشرط أن يكون قبل الشروع في أسباب التحلل من الحج.

واختلف العلماء في هذه الأنواع الثلاثة أيها أفضل؟ فقال الشافعي، ومالك، وكثيرون: أفضلها الإفراد، ثم التمتع، ثم القران. وقال أحمد، وآخرون: أفضلها التمتع. وقال أبو حنيفة، وآخرون: أفضلها القران. وأما حجة النبي صلى الله عليه وسلم فاختلفوا فيها، هل كان مفرداً، أو متمتعاً، أو قارناً؟ وهي ثلاثة أقوال للعلماء بحسب مذاهبهم السابقة، فكل طائفة رجحت نوعاً، وادعت أن حجة النبي صلى الله عليه وسلم كانت كذلك. والصحيح أنه كان أولاً مفرداً، ثم أحرم بالعمرة بعد ذلك، وأدخلها علي الحج، فصار قارناً. وقد اختلفت روايات الصحابة في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، هل كان قارناً، أو مفرداً، أو متمتعاً؟ وقد ذكر البخاري ومسلم روايتهم لذلك، وطريق الجمع بينها ما ذكرته أنه صلى الله عليه وسلم كان أولاً مفرداً، ثم صار قارناً. فمن روى القران اعتبر آخر الأمر، ومن روى التمتع أراد التمتع اللغوي، وهو الانتفاع والارتفاق، وقد ارتفق بالقران كارتفاق التمتع وزيادة، وهي الاقتصار علي فعل واحد، وبهذا الجمع تنتظم الأحاديث فيها.

وقد جمع بينها أبو محمد بن حزم الظاهري في كتاب صنفه في حجة الوداع خاصة، وادعى أنه صلى الله عليه وسلم كان قارناً، وتأول باقي الأحاديث، والصحيح ما سبق، وقد أوضحت ذلك في شرح المهذب بأدلته، وجمع طرق الأحاديث، وكلام العلماء المتعلق بها. واحتج الشافعي وأصحابه في ترجيح الإفراد بأنه صح ذلك من رواية جابر، وابن عمر، وابن عباس، وعائشة، وهؤلاء لهم مزية في حجة الوداع علي غيرهم؛ فأما جابر فإنه كان أحسن الصحابة سياقة لرواية حديث حجة الوداع، فإنه ذكرها من حين خروج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلي آخرها، فهو أضب لها من غيره. وأما ابن عمر رضي الله عنهما فصح عنه أنه كان آخذاً بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يمسني لعابها، أسمعه يلبي بالحج. وأما عائشة فقربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم معروف، وكذلك اطلاعها علي باطن أمره، وظاهر فعله في خلوته وعلإنيته مع كثرة فقهها وفطنتها؛ وأما ابن عباس فمحله في العلم، والفهم، والفقه في الدين معروف.

ومن دلائل ترجيح الإفراد، أن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم

أفردوا الحج، وواظبوا علي إفراده، كذلك فعل أبو بكر، وعمر، وعثمان. واختلف فعل علي رضي الله عنه،

ولو لم يكن الإفراد أفضل، وعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم حج مفرداً، لم يواظبوا عليه مع أنهم

الأئمة الأعلام، وقادة الإسلام، ويقتدى بهم في عصرهم وبعدهم، فكيف يظن بهم المواظبة

علي خلاف فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وأما الخلاف عن علي رضي الله عنه وغيره، فإنما فعلوه لبيان

<<  <  ج: ص:  >  >>