أخرج من ظهور بني آدم في الإنزال إلى يوم القيامة، هم الذر قد أخرجهم الله تعالى في الأزل من صلب آدم، وأخذ منه الميثاق الأزلي؛ ليعرف منه أن هذا النسل الذي يخرج في الإنزال من أصلاب بني آدم، هو الذر الذي أخرج في الأزل من صلب آدم، وأخذ منه الميقاق الأول، وهو المقالي الأزلي، كما أخذ منه فيما لا يزال بالتدريج حين أخرجزا الميثاق الثاني، وهو الحالي (الإنزالي).
والحاصل: أن الله تعالى لما كان له ميثاقان مع بني آدم، أحدهما: تهتدي إليه العقول من نصب الأدلة الباعثة على الاعتراف الحالي. وثانيهما: المقالي الذي لا يهتدي إليه العقل، بل يتوقف على توقيف واقف على أحوال العباد من الأزل إلى الأبد، كالأنبياء عليهم السلام أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يعلم الأمة، ويخبرهم أن وراء الميثاق الذي يهتدون إليه بعقولهم ميثاقا آخر أزليا، فقال ما قال من مسح ظهر آدم في الأزل، وإخراج الذرية، والميثاق الآخر، انتهى كلامه.
فإن قلت: فكيف يتطابق السؤال عن معنى الآية، والجواب عن معنى الحديث، وبينهما هذا الاختلاف؟ قلت: يتطابق من حيثية الأسلوب الحكيم على منوال قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ}{قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ} سألوا عن بيان ماذا ينفقونه، وأجيبوا ببيان المصرف، وضمن بيان ما ينفقونه، كذا ها هنا سأل الصحابي عن بيان الميثاق الحالي، فأجيب عن المقالي، وضمن فيه الحالي على ألطف وجه، كأنه قيل: الميثاق المسئول عنه ظاهر مكشوف بنصب الدلائل على ربوبيته ووحدانيته في العقول والبصائر، وجعلها مميزة بين الحق والباطل، لكن هنا ميثاق آخر خفي عن العقول لا يعلمه أحد إلا من أرشده الله إليه، فاسأل عن ذلك، وفائدته توكيد الميثاقين والقيام على العهدين، والله أعلم.
((شف)): قال عليه الصلاة والسلام في حق أهل الجنة: ((ثم مسح ظهره بيمينه)) لأن الخير ينسب إلى اليمين، وفي حق أهل النار ((بيده)) ليفرق بين القبيلين من أهل الجنة والنار، وأعرض عن ذكر الشمال تأديبا على ما ورد ((كلتا يدي الرحمن يمين)).