ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)). ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات، ثم
نزل ومشى إلي المروة حتى انصبت قدماه في بطن الوادي، ثم سعى، حتى إذا
صعدنا مشى حتى أتى المروة، ففعل علي المروة كما فعل علي الصفا، حتى إذا كان
ــ
قوله:((ثم دعا بين ذلك)) ((ثم)) تقتضي التراخي، وأن يكون الدعاء بعد الذكر، و ((بين)) تقتضي التعدد، والتوسط بين الذكر بأن يدعو بعد قوله:((علي كل شيء قدير)) ثم الدعاء، فتمحل المظهر بأن قال: لما فرغ من قوله: ((وهزم الأحزاب وحده)) دعا بما شاء، ثم قال مرة أخرى هذا الذكر، حتى فعل ثلاث مرات. أقول: وهذا أنى يستتب علي التقديم والتأخير، بأن يذكر قوله:((ثم دعا بين ذلك)) بعد قوله: ((قال مثل هذا ثلاث مرات)) و ((ثم)) تكون للتراخي في الإخبار لا تأخر زمان الدعاء عن الذكر، ويدعو ثلاث مرات، هذا هو المشهور عند أصحابنا، [وقال: منهم] تكرار الذكر ثلاثاً، والدعاء مرتين، والصواب الأول.
قوله:((انصبت قدماه)) ((نه)) أي انحدرت في المسعى، وهذا مجاز من قولهم: صب الماء فانصب، ((مح)): قال القاضي عياض: في هذا الحديث إسقاط لفظة لابد منها، وهي ((رمل)) بعد قوله: ((في بطن الوادي)) كما جاء في رواية مسلم، وكذا ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين، وفي الموطأ ((حتى انصبت قدماه في بطن الوادي، سعى حتى خرج منه)) وهو بمعنى ((رمل)). قال الشيخ: وجدت في بعض نسخ مسلم كما في الموطأ.
قوله:((إذا صعدنا)) ((تو)): الإصعاد الذهاب في الأرض، والإبعاد، سواء ذلك في صعود أو حدور، قال تعالي:{إذ تصعدون ولا تلون علي أحد} ومعناه في الحديث ارتفاع القدمين من بطن المسيل إلي المكان العالي؛ لأنه ذكر في مقابلة الانصباب. قوله:((إذا كان)) ((كان)) هي التامة. وقوله:((فقال)) جواب ((إذا)). قوله:((لو إني استقبلت)) ((نه)): أي لو عن لي هذا الرأي الذي رأيته آخراً، وأمرتكم به في أول أمري، لما سقت الهدي، أي لما جعلت علي هدياً، وأشعرته، وقلدته، وسقته بين يدي؛ فإنه إذا ساق الهدي لا ينحل حتى ينحره، ولا ينحر إلا يوم النحر، فلا يصح له فسخ الحج بعمرة، فمن لم يكن معه هدي لا يلتزم هذا، ويجوز له فسخ الحج.
((خط)): إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا القول لأصحابه تطييباً لقلوبهم، وذلك أنه كان يشق عليهم أن يحلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم محرم، ولم يعجبهم أن يرغبوا بأنفسهم عن نفسه،
يتركوا الاقتداء به، فقال عند ذلك القول؛ لئلا يجدوا في أنفسهم، وليعلموا أن الأفضل لهم ما دعاهم