آخر طواف علي المروة، نادى وهو علي المروة والناس تحته فقال:((لو إني استقبلت من أمري ما استدبرت، لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي، فليحل وليجعلها عمرة)). فقام سراقة بن مالك بن جعشم، فقال: يا رسول الله! ألعامنا هذا أم لأبد؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه، واحدة في
ــ
إليه. قال: وقد يستدل بهذا من يروي أن التمتع بالعمرة إلي الحج أفضل من الإفراد والقران. أقول: وعلهم إنما شق عليهم لإفضائهم إلي النساء قبل انقضاء المناسك، كما ورد في حديث جابر قالوا:((فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المني)) وأشاروا إلي مذاكيرهم. ((قض)): إنما قال ذلك تأسيساً للتمتع، وتقريراً لجواز العمرة في أشهر الحج، وإماطة لما ألفوا من التحرج عنها. ((مح)): فيه تصريح بأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن متمتعاً. قوله:((فمن كان منكم)) ((الفاء)) فيه جواب شرط محذوف، يعني إذا تقرر ما ذكرت من إني أفردت الحج، وسقت الهدي، ولم أتمكن من الإحلال إلا بعد النحر، فمن كان منكم ليس معه إلي آخره، وفي هذا المقام كلام سيأتي في حديث عائشة، قال:((خرجنا)) الحديث.
قوله:((ألعامنا هذا؟)) ((مح)): اختلف العلماء في معناه علي أقوال، أصحها وبه قال جمهورهم، معناه: أن العمرة يجوز فعلها في أشهر الحج إلي يوم القيامة، والمقصود به بيان إبطال ما كانت الجاهلية تزعمه من امتناع العمرة في أشهر الحج. والثاني: معناه جواز القران، وتقدير الكلام: دخلت أفعال العمرة في أفعال الحج إلي يوم القيامة. والثالث: تأويل بعض القائلين بأن العمرة ليست واجبة، قالوا: معناه سقوط العمرة، قالوا: ودخولها في الحج سقوط وجوبها، وهذا ضعيف، أو باطل، وسياق الحديث يقتضي بطلانه. والرابع: تأويل بعض أهل الظاهر أن معناه: جواز فسخ الحج إلي العمرة، وهذا أيضاً ضعيف. أقول: الوجه الثاني هو الوجه وإن جاز: دخل وقت أحد النسكين في وقت الآخر علي البعد؛ لأن إدخال الأصابع بعضها في بعض، وتكريرها مرتين إما بالقول أو بالفعل، يستدعي إدخال أحد النسكين في الآخر. ويؤيده حديث ابن عباس في آخر هذا الفصل، فإن العمرة قد دخلت في الحج إلي يوم القيامة، فإن قوله:((ألعامنا هذا)) وارد علي قوله: ((فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل)) محتمل لأن يكون مفرداً ومعتمراً وقارناً، ولم يسق الهدي في كل ذلك، فالسؤال إذن ورد علي القارن، فصح معنى التشبيك.
وقوله:((واحدة في الأخرى)) ((واحدة)) منصوب بعامل مضمر، أي جاعلاً واحدة منهما في
الأخرى، والحال مؤكدة. وأما قوله:((لا)) فهو جواب عن السؤال؛ وهو مشكل؛ لأن السؤال
بـ ((أم)) المعادلة إنما يتلقى في الجواب بأحد المعتدلين المستويين علي التعيين، فالوجه أن يحمل
علي التشديد، وأن يقدر: ليس لعامك هذا، بل لأبد أبد، وتكرير ((أبد)) ينصر ما ذكرنا من