الأخرى، وقال:((دخلت العمرة في الحج مرتين، لا بل لأبد أبد))، وقدم علي من اليمن ببدن
النبي صلى الله عليه وسلم. فقال له:((ماذا قلت حين فرضت الحج؟)): قلت: اللهم إني أهل بما أهل به
رسولك. قال:((فإن معي الهدي، فلا تحل)). قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي
أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مائة. قال: فحل الناس كلهم، وقصروا، إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية، توجهوا إلي منى، فأهلوا بالحج، وركب النبي صلى الله عليه وسلم، فصلي
بها الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة من شعر
تضرب له بنمرة، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام، كما
ــ
التشديد، كما إذا سأل سائل عن الأمر الثابت بـ ((أم)) المتصلة، فيكون الرد بإيراد أم في غير موقعه، وقد سبق مثله في قوله صلى الله عليه وسلم:((كل ذلك لم يكن)) جواباً عن سؤال ذي اليدين ((أقصرت الصلاة أم نسيتها؟)).
قوله:((ببدن)) البدن جمع بدنة، سميت لعظم بدنها، وهي الإبل خاصة. قوله:((ماذا قلت حين فرضت الحج)) ((قض)): أي حين ألزمته نفسك بالإحرام، سأله عن كيفية إحرامه. وقوله:((قلت: اللهم إني أهل بما أهل به رسولك)) يدل علي جواز الإحرام بإحرام غيره. قوله:((فحل الناي كلهم)) ((مح)): هذا من العام الذي خص؛ لأن عائشة رضي الله عنها لم تحل، ولم تكن ممن ساق الهدي. والهدي بإسكان الدال وكسرها، وتشديد الياء مع الكسر، والتخفيف مع الإسكان. وأما تقصيرهم مع أن الحلق أفضل؛ فلإرادة أن يبقى لهم بقية من الشعر حتى تحلق في الحج. قوله:((يوم التروية)) قيل: هو اليوم الثامن من ذي الحجة، سمي بذلك؛ لأن إبراهيم عليه السلام تروى فيه، أي تفكر في ذبح ولده. وقيل: لأنهم يرتوون فيه من الماء لما بعده. ((مح)): الأفضل عند الشافعي وأصحابه أن من كان بمكة، وأراد الإحرام بالحج أحرم يوم التروية. وفيه أن السنة أن لا يتقدم أحد إلي منى قبل يوم التروية، وقد كرهه مالك، وقيل: لا بأس به.
قوله:((وركب النبي صلى الله عليه وسلم فصلي بها)) أي بمنى. ((مح)): فيه أن الركوب في تلك المواطن أفضل من المشي، كما أنه في جملة الطريق، وهذا هو الصحيح. وقال بعض أصحابنا: الأفضل في جملة الحج الركوب إلا في مواطن المناسك، والسنة: أن يبيت الليلة التاسعة بمنى، حتى تطلع الشمس، ولو تركه لا دم عليه. قوله:((بنمرة)) هي بفتح النون وكسر الميم، جبل عن يمين الخارج من مأزمي عرفة، إذا أراد الموقف. وقوله:((تضرب)) صفة لـ ((قبة)) أو حال، والتقدير: أمر بضرب قبة بنمرة قبل قدومه إليها، فحذف المضاف، وجعل الصفة دليلاً عليه. ((مح)): فيه دليل جواز استظلال المحرم، ولا خلاف من النازل، وإنما الخلاف في الراكب، فمذهبنا جوازه، وكره مالك وأحمد.