أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلي السماء وينكتها إلي الناس:((اللهم اشهد، اللهم اشهد)) ثلاث مرات، ثم أذن بلال، ثم أقام فصلي الظهر، ثم أقام فصلي العصر، ولم يصل بينهما شيئاً، ثم ركب حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلي الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل
ــ
قوله:((فقال)) أي أشار. وقوله:((يرفعها إلي السماء)) حال إما من فاعل ((قال)) أو من ((السبابة)) أي رافعاً إياها، أو مرفوعة. قوله:((وينكبها)) ((نه)): هي بالباء الموحدة من تحت، أي يميلها إليهم من نكبت الإناء نكباً ونكبتها تنكيباً، إذا أماله كبه. ((مح)): ضبطناه بالتاء المثناة من فوق. قال القاضي عياض: كذا الرواية، وقال: وهو بعيد المعنى، وقيل: صوابه بالباء الموحدة، وروينا في سنن إبن داود بالتاء المثناة من طريق ابن الأعرابي، وبالموحدة من طريق أبي بكر التمار، ومعناه يردها، ويقلبها إلي الناس مشيراً إليهم.
أقول: أراد بقوله: ((بعيد المعنى)) أنه غير موافق للغة. ((الجوهري)): نكت في الأرض بالقضيب، إذا ضرب في الأرض فيؤثر فيها. ((المغرب)): في الحديث ((نكتت خدرها بإصبعها)) أي نقرت وضربت، هذا إذا استعمل بفي أو بالباء، وفي الحديث مستعمل بإلي، فيكون النكت مجازاً عن الإشارة بقرينة إلي، وتقديره ما ذكر من قوله:((يقلبها إلي الناس مشيراً إليهم)).
قوله:((ولم يصل بينهما شيئاً)) ((مح)): فيه أنه يشرع الجمع بين الظهر والعصر هناك حينئذ، وقد أجمعت الأمة عليه، واختلفوا في سببه، فقيل: بسبب النسك، وهو مذهب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي، وقال أكثر أصحابنا: بسبب السفر، فمن كان حاضراً، أو مسافراً دون مرحلتين لم يجز له الجمع، كما لا يجوز القصر. وفيه أن الجامع بين الصلاتين يصلي الأولي أولاً، وأنه يؤذن للأولي، ويقيم لكل واحدة، ولا يفرق بينهما.
قوله:((إلي الصخرات)) أي جعل بطن ناقته منتهياً إلي الصخرات بحيث يكون جبل المشاة قدامها. ((نه)): الجبل المستطيل من الرمل، وقيل: الجبال في الرمل كالجبال في غير الرمل، فالمعنى جعل جبل المشاة أي طريقهم الذي يسلكون في الرمل، وقيل: أراد صفهم ومجتمعهم، ومشيهم بسببها بجبل الرمل.
((مح)): في هذا الفصل مسائل وآداب للوقوف: منها أنه إذا فرغ من الصلاتين عجل الذهاب
إلي الموقف، ومنها أن الوقوف راكباً أفضل وفيه خلاف، ومنها استحباب الوقوف عند
الصخرات، وهن مفترشات في أسفل جبل الرحمة، وأما ما اشتهر بين العوام من الاعتناء
بصعود الجبل، وتوهمهم أنه لا يصح الوقوف إلا به فغلط، بل الصواب جواز الوقوف في كل