فقال:((أتدرون ما هذان الكتابان؟)) قلنا: لا، يا رسول الله! إلا أن تخبرنا فقال للذي في يده اليمنى:((هذا كتاب من رب العالمين، فيه أسماء أهل الجنة، وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم، فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا)). ثم قال للذي في شماله:((هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار، وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم؛ فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا)). فقال أصحابه: ففيم
ــ
مثل المعنى الحاصل في قلبه بالشيء الحاصل في يده، هذا ونحن لا نستبعد إطلاق ذلك على الحقيقة؛ فإن الله عز وجل قادر على كل شيء، والنبي عليه الصلاة والسلام مستعد لإدراك المعاني الغيبية، ومشاهدة الصور الموضوعة لها.
وقوله:((ألا أن تخبرنا)) استثناء منقطع، أي لا نعلم، ولكن إذا أخبرتنا نعلم، كأنهم طلبوا بالاستدراك إخباره إياهم، ويجوز أن يكون متصلا مفرغا، أي لا نعلمه بسبب من الأسباب إلا بإخبارك. قوله:((وقال للذي بييده)) أي لأجله. وخص ذكر ((رب العالمين)) من بين الأسماء، دلالة وتنبيها على أنه مالكهم، وهم له مملكون يتصرف فيهم كيف شاء وأراد، فيسعد من يشاء، ويشقي من يشاء، كل ذلك عدل منه وصواب فلا اعتراض لأحد عليه.
قوله:((وفيه أسماء أهل الجنة، وأسماء آبائهم)) ((شف)): إن أهل الجنة مكتوب أسماؤهم، وأسماء آبائهم، وقبائلهم الذين هم أهل النار في الكتاب الذي باليمين، وفي عكسه أهل النار، ويكتب أسماء آبائهم، وقبائلهم من أهل الجنة في الذي بالشمال، وإلا فالآباء والقبائل إذا كانوا من جنس الأبناء في كونهم من أهل الجنة، أو من أهل النار فلا حاجة إلى إفراد ذكرهم لدخولهم تحت قوله:((فيه أسماء أهل الجنة، وفيه أسماء أهل النار)).
أقول: ولعل الظاهر أن كل واحد من أهل الجنة ومن أهل النار يكتب أسماء آبائهم وقبائلهم – سوار كان من أهل الجنة أو من أهل النار- للتمييز التام، كما يكتب في الصكوك، وهو أنسب بالكتاب، وضمن ((أجمل)) معنى أوقع، فعدى بعلى أي وقع الإجمال على ما انتهى إليه التفصيل. ويجوز أن يكون حالا، أي أجمل في حال وقوع انتهاء التفصيل إلى آخرهم، ومن عادة المحاسبين أن يكتبوا الأشياء مفصلات، ثم يوقعون في آخرها فذلكة ترد التفصيل إلى الجملة، ((فلا يزاد)) جزءا شرط محذوف، أي إذا كان الأمر على ما تقرر من التفصيل، والتعيين، والإجمال بعد التفصيل في الصك، فلا يزاد ولا ينقص.