٢٦٧٩ - وعن ابن عباس، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وهو يقول: ((إذا لم يجد المحرم نعلين لبس خفين، وإذا لم يجد إزاراً لبس سراويل)). متفق عليه.
ــ
والقيصوم ونحوهما فليس بحرام. ولا يجوز أكل طعام فيه طيب، فإن فعل فعليه فدية، وللمحرم أن يكتحل بكحل لا طيب فيه إذا احتاج إليه ولا فدية. والاكتحال للزينة مكروه، ومنه أحمد وإسحاق، وفي مذهب مالك قولان.
واعلم أن محرمات الإحرام ستة: اللباس بالتفصيل، والطيب، وإزالة الشعر والظفر، وحلق الرأس، وعقد النكاح، والجماع وسائر الاستمتاع، والسابع إتلاف الصيد. وإذا تطيب أو لبس ما نهي عنه وجبت الفدية، إن كان عامداً بالإجماع، وإن كان ناسياً فلا يلزمه عند الشافعي والثوري وأحمد وإسحاق، وأوجبها أبو حنيفة ومالك.
والحكمة في تحريم اللباس المذكور وإباحة الإزار والرداء هي أن يبعد عن الترفيه ويتصف بصفة الخاشع الذليل؛ وليكون علي ذكره دائماً أنه محرم؛ فيكثر من الدعاء ولا يفتر عن الأذكار، ويصون نفسه عن ارتكاب المحظورات؛ وليتذكر به الموت ولبس الأكفان والبعث يوم القيامة حفاة عراة مهطعين إلي الداعي. والحكمة في تحريم الطيب والنساء أن يبعد عن التنعم وزينة الدنيا وملاذها؛ ولأنه ينافي تذلل الحاج؛ فإن حقه أن يكون أشعث أغبر وأن يجمع همه لمقاصد الآخرة. والحكمة في تحريم الصيد تعظيم بيت الله وحرمه من قتل صيده وقطع شجره.
واختلف العلماء في هذا الحديث والحديث الآتي. فقال أحمد: يجوز لبس الخفين بحالهما ولا يجب قطعهما لحديث ابن عباس، وكان أصحابه يزعمون نسخ حديث ابن عمر المصرح بقطعهما، وزعموا أن قطعهما إضاعة مال. وقال جماهير العلماء: لا يجوز لبسهما إلا بعد قطعهما أسفل من الكعبين؛ لحديث ابن عمر. قالوا: وحديث ابن عباس مطلق وحديث ابن عمر مقيد، والمطلق محمول علي المقيد، والزيادة من الثقة مقبولة. وولهم: إنه إضاعة مال لبس بشيء؛ لأن الإضاعة إنما تكون فيما نهي عنه، وأما ما أمر به فليس بإضاعة بل حق يجب الإذعان له.
ثم اختلفوا في لابس الخفين لعدم النعلين هل يجب عليه فدية أم لا؟ فقال مالك والشافعي ومن وافقهما: لا شيء عليه؛ لأنه لو وجب فدية بينها صلى الله عليه وسلم. وقال أبو حنيفة وأصحابه: عليه الفدية، كما إذا احتاج إلي حلق الرأس يحلقه ويفدي، والله أعلم.
الحديث الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((لأبس سراويل)) ((حس)): لا يجوز للحرم لبس السراويل مع وجود الإزار، فإن فعل فعليه الفدية، فإن لم يجد الإزار جاز له لبس السراويل عند أكثرهم ولا فدية عليه. وهو قول الشافعي وأحمد؛ لأن مطلق الإذن في السراويل بوجب الإباحة بلا فدية. وقال مالك وأبو حنيفة: ليس له لبس السراويل، ويحكى عن أبي حنيفة أنه قال: يفتقه ويزر به، ورد بأن مطلق السراويل محمول علي اللباس المعهود.