٢٧٤٢ - وعن أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة ليس نقبٌ من أنقابها إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها، فينزل السبخة فتربحف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، فيخرج إليه كل كافر ومنافق) متفق عليه.
٢٧٤٣ - وعن سعد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يكيد أهل المدينة أحدٌ إلا انماع كما ينماع الملح في الماء)) متفق عليه.
٢٧٤٤ - وعن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من سفرٍ فنظر إلي جدرات المدينة، أوضع راحلته، وإن كان علي دابة حركها من حبها. رواه البخاري.
الحديث الخامس عشر عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((إلا سيطؤه الدجال)) خبر ((ليس))، أي ليس بلد من البلاد يسكن الناس فيه وله شأن، إلا سيدخله الدجال، وقوله:((إلا مكة)) مستثنى من المستثنى. قوله:((السبخة)) ((نه)): هي الأرض التي تعلوها الملوحة، ولا تكاد تنبت إلا بعض الشجر، وجمعها السباخ. قوله:((بأهلها)) الباء يحتمل أن تكون سببية، أي تتزلزل وتضطرب بسبب أهلها؛ لينفض إلي الدجال الكافر والمنافق، وأن يكون حالًا، أي ترجف ملتبسة بأهلها. ((مظ)): ((ترجف المدينة بأهلها)) أي تحركهم وتلقي ميل الدجال في قلب من ليس بمؤمن خالص، فعلي هذا الباء صلة الفعل.
الحديث السادس عشر عن سعد رضي الله عنه: قوله: ((كما ينماع)) ((نه)): أي يذوب ويجري، ماع الشيء يميع وإنما ينماع إذا ذاب وسال. أقول: وفيه معنى قوله تعالي: {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله} شبه أهل المدينة مع وفور علمهم وصفاء قريحتهم بالماء، وشبه من يريد المكيد بهم بالملح؛ لأن نكاية كيدهم لما كانت راجعة إليهم شبهوا بالملح الذي يريد إفساد الماء، فيذوب هو بنفسه.
فإذ قلت: يلزم علي هذا كدورة أهل المدينة بسبب فنائهم. قلت: المراد مجرد الإفناء، ولا يلزم في وجه التشبيه أن يكون شاملًا لجميع أوصاف المشبه به، نحو قولهم: النحو في الكلام كالملح في الطعام.
((مح)): يعني من أراد المكر بهم لا يمهله الله تعالي، ولم يمكن له سلطانًا بل يذهبه عن قريب، كما انقضى شأن من حاربها أيام بني أمية مثل مسلم بن عقبة؛ فإنه هلك في منصرفه عنها، ثم هلال بن يزيد بن معاوية وغيرهما ممن صنع صنيعهما. وقيل: المراد من كادها اغتيالًا وطلبًا لغرتها في غفلة، فلايتم له أمر، بخلاف من أتاها جهارًا.