ــ
فإنه يقول: يحصل الموت بفساد المزاج. الثالث: أن يؤمن بالبعث بعد الموت. والرابع: أن يؤمن بالقدر, يعني يعتقد أن جميع مافي العالم بقضاء الله وقدره, كما ذكر قبل هذا.
أقول: إن ((حتى)) في قوله: ((حتى يؤمن)) للتدرج, كما في قوله عليه الصلاة والسلام: ((إن الرجل ليصدق حتى يكتب صديقا)) يعني لا يعتبر التصديق بالقلب حتى يتمكن منه التصديق إلى أن يبلغه إلى هذه الأوصاف الأربعة.
وقوله: ((بعثني بالحق)) استئناف, كأنه قيل: لم يشهد بذلك؟ فأجيب ((بعثني بالحق)) أي لأن الله بعثني بالحق. ويجوز أن يكون حالا مؤكدة, أو خبرا بعد خبر, فعلى هذا يدخل في حيز الشهادة. وقوله صلى الله عليه وسلم حكاية معنى قول الشاهد لا قوله؛ فإن قوله: ((أن محمدا رسول الله بعثه بالحق)).
فإن قلت: لم ذكر في الثلاث الأخيرة لفظة: ((يؤمن)) وذكر في الأولى لفظة ((يشهد))؟ قلت: ((يشهد)) إلى آخر تفصيل لقوله: ((حتى يؤمن بأربع)) فلن يكون التفصيل مخالفا للمجمل, كأن أصل الكلام أن يقال: يؤمن بالله بأن الله واحد لاشريك له, وبأني رسول الله عليه الصلاة والسلام حقا, ويؤمن بكذا, ويؤمن بكذا, فعدل إلى لفظ الشهادة أمنا من الالتباس, ودلالة على أن النطق بالشهادتين أيضا ركن من الأركان؛ ولأن هذه الشهادة غاية للإيمان, ويتدرج منه إليه, فلا يتصور الشهادة باللسان دون التصديق بالقلب, كأنه قيل: يشهد باللسان بعد التصديق الراسخ في القلب.
قوله: ((يؤمن بالموت)) أي يؤمن أن الموت حق, وان البعث حق, وتكريم الموت إيذان باهتمام شأنه, فهو مثل قوله تعالى: {ثُمَّ إنَّكُم بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إنَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} في أن المراد اهتمام شأن الموت, ثم الذي يليه من البعث؛ فإن الموت ذريعة إلى وصول السعادة الكبرى, ووسيلة إلى ارتقاء الدرجة العليا.
((غب)): ((الموت)) أحد الأسباب الموصلة إلى النعم, فهو وإن كان في الظاهر فناء زاضمحلالا, لكن في الحقيقة ولادة ثانية, وهو باب من أبواب الجنة, منه يتوصل إليها, ولو لم يكن لم تكن الجنة من الله تعالى على الإنسان, فقال: {خَلَقَ المَوْتَ والْحَيَاةَ} قدم ((الموت)) على ((الحياة)) تنبيها على أنه يتوصل منه إلى الحياة الحقيقية, وعده علينا من الآلاء في قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} ونبه الله تعالى بعد قوله: {ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ (١٤) ثُمَّ إنَّكُم بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إنَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} على أن هذه التغييرات لخلق أحسن, فنقض هذه البنية لإعادتها على وجه أشرف, كالنوى المزروع الذي