للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٠٥ - وعن ابن عباس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة والقدرية)). رواه الترمذي وقال: هذا حديث غريب [حسن صحيح] [١٠٥].

ــ

لا يصير نخلا مثمرا إلا بعد فساد حبتها, وكذلك البر إن أردنا أن نجعله زيادة في أجسادنا نحتاج إلى أن يطحن, ويعجن, ويطبخ, ونأكل, فهذه تغيرات كثيرة, هي فسادات في الظاهر, وكذا البذر إذا ألقى في الأرض يعده من لا يتصور حاله فسادا, فالنفس لا تحب البقاء في هذه الدار إلا إذا كانت قذرة راضية بالأعراض الدنيئة, رضى الجعل بالحش, أو تكون جاهلة نجاتها في المآل, والله أعلم.

الحديث الحادي عشر عن ابن عباس رضي الله عنه: قوله: ((صنفان من أمتي)) ((تو)): الصنف النوع, و ((المرجئة)) بهمزة, من الإرجاء وهو التأخير, قيل: ((المرجئة)) هم الذين يقولون: ((الإيمان قول بلا عمل)) فيؤخرون العمل عن القول, وهذا غلط منهم؛ لأنا وجدنا أكثر أصحاب الملل والنحل ذكروا أن ((المرجئة)) هم ((الجبرية)) الذين يقولون: ((إن إضافة الفعل إلى العبد كإضافته إلى الجمادات)) فالجبرية خلاف القدرية, وبعض القدرية ألحقوا هذا النبز بالسلف ظلما وعدوانا, وسميت ((الجبرية)) مرجئة؛ لأنهم يؤخرون أمر الله, ويرتكبون الكبائر, وهم يذهبون في ذلك إلى الإفراط, كما تذهب القدرية إلى التفريط, وكلا الفريقين على شفا جرف هار.

و ((القدرية)) إنما نسبوا إلى القدر – وهو ما يقدره الله تعالى – لأنهم يدعون أن كل عبد خالق فعله من الكفر والمعصية, ونفوا أن ذلك بتقدير الله وهؤلاء الضلال يزعمون أن القدرية هم الذين يثبتون القدر. والجواب: ونحن لا نثبت هذا السر من طريق القياس حتى تقابلونا بدعواكم هذه, وإنما أخذناه من النصوص الصحيحة فمنها: ((إنا كل شيء خلقناه بقدر)) ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: ((وأن يؤمن بالقدر خيره وشره)) ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: ((كل شيء بقدر)) ومنها ((القدرية مجوس هذه الأمة)) في أحاديث لا تحصى كثرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>