٢٧٧٥ - وعن عطية السعدي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع مالا بأس به حذرًا لما به بأس)). رواه الترمذي، وابن ماجه [٢٧٧٥].
ــ
((غب)): الصدق والكذب أصلهما في القول، وقد يستعملان في كل ما يحق ويحصل في الاعتقاد، نحو صدق ظنى وكذب، وفي أفعال الجوارح، فيقال: صدق في القتال إذا أوفي حقه، وكذب في القتال إذا كان بخلاف ذلك، قال تعالي:{والذي جاء بالصدق وصدق به} أي حقق ما أورده قولًا بما تحراه فعلًا، ويعبر عن كل فعل فاضل ظاهرًا وباطنًا بالصدق - انتهي كلامه- فقس علي هذا قوله:((البر ما اطمأنت إليه النفس)) فإن ((ما اطمأنت)) تعريف لـ ((البر))، فلا يراد به الإحسان المطلق، بل ما اشتمل عليه وعلي غيره كما مر في الصدق.
الحديث السادس عن عطية: قوله: ((أن يكون من المتقين)) ظرف ((يبلغ)) علي تقدير مضاف أي بلغ درجة المتقين، يقال: بلغت المكان وصلت إليه، والتركيب من باب قوله تعالي:{إني لعملكم من القالين} يعنى ممن له مساهمة مع المتقين في هذه الصفة، وأن الوصف كاللقب المشهود له، وإنما جعل المتقى من يدع ما لا بأس به حذرًا لما به بأس؛ لآن المتقى في اللغة اسم فاعل من قولهم: وقاه فاتقى، والوقاية فرط الصيانة، ومنه فرس واق، وهذه الدابة تقي من وجاها، إذا أصابها ضلع من غلظ الأرض ورقة الحافر، فهي تقي حافرها أن يصيبها أدنى شيء يؤلمه، وهو في الشريعة الذي يقي نفسه تعاطي ما يستحق به العقوبة من فعل أو ترك.
وقيل: التقوى علي ثلاث مراتب: الأولي: التوقي عن عذاب الخلد بالتبرؤ عن الشرك، كقوله تعالي:{وألزمهم كلمة التقوى}. والثانية: التجنب عن كل ما يؤثم من فعل أو ترك، حتى الصغائر عند قوم، وهو المتعارف بالتقوى في الشرع، والمعني بقوله:{ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا} والثالثة: أن يتنزه عما يشغل سره عن الحق، ويتبتل بشراشره إلي الله، وهو التقوى الحقيقية المطلوبة بقوله:{اتقوا الله حق تقاته} والحديث وإن استشهد به للمرتبة الثانية، فإنه يجوز أن ينزل علي المرتبة الثالثة. والله أعلم. واللام في ((لما به بأس)) بيان لـ ((حذرًا)) لا صلة؛ لأن صلته ((من)) ونحوه قوله تعالي: {هيت لك} وقوله: {لمن أراد أن يتم الرضاعة} كأنه قيل: حذرًا لماذا؟ فقيل: لما به بأس. وهذا الحديث أبلغ وأجمع من الحديثين السابقين عليه.