٢٨٤١ - وعن جابر، قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السنين، وامر بوضع الجوائح. رواه مسلم.
٢٨٤٢ - وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو بعت من أخيك ثمرًا، فأصابته جائحة؛ فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا. بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟)). رواه مسلم.
ــ
الحديث الثامن عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((بيع السنين)) يريد به بيع ثمارها وهي المعاومة، وقد سبق الكلام فيها. ((والجوائح)) جمع جائحة، وهي الآفة التي تصيب الثمرة من الجوح وهو الاستئصال، ووضعها أن يحط البائع من الثمن ما يوازي نقصان الجائحة بعد القبض، والأمر به أمر استحباب لا وجوب؛ لأن المبيع قد خرج عن عهدة البائع بالتسليم إلي المشتري، فلا يلزمه ضمان ما يعتريه بعده؛ ولما روى أبو سعيد الخدري: أن رجلا أصيب في ثمار ابتاعها فكثر دينه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((تصدقوا عليه)) ولو كانت الجوائح موضوعة لم يصر مديونًا بسببها، ولما أمر بالتصدق عليه لأدائه. ومنهم من قال: إنه للوجوب، والبيع ينفسخ فيما يتلف بالجائحة، كما لو تلف قبل القبض؛ لأن التسليم لم يتم بالتخلية، ولذلك يجب علي البائع سقيها إلي أن تدرك، ويدل عليه قوله في حديث جابر المذكور عقيب هذا:((فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟)) وهو مذهب أحمد وقول قديم للشافعي رضي الله عنهما. ومنهم من خصص الحديثين بما إذا كان المبيع لم يقبض بعد. ومنهم من قال: إن ذلك في الأراضي الخراجية التي أمرها إلي الإمام، أمره بوضع الخراج عنها إذا أصابتها الجوائح.
الحديث التاسع عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((فلا يحل)) وقع جواب ((لو)) فإما أن يتمحل، ويقال: إن ((لو)) بمعنى ((إن))، وإما أن يقدر الجواب، و ((فلا يحل)) عطف عليه، أي لو بعت من أخيك ثمرًا فهلك لا تأخذ منه شيئًا فلا يحل لك، والتكرار للتقرير، كما في قوله تعالي:{كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا}. ولما كان هذا النهي نهي تنزيه لا تحريم، حث البائع علي أن يسلك مع المشتري طريق المروعة وتخصيص ذكر ((أخيك)) للتعطف والرحمة عليه، كما في قوله تعالي:{فمن عفي له من أخيه شيء}. ((مظ)): إن كان التلف قبل تسليم الثمار إلي المشتري يكون من ضمان البائع، فلا يحل له أن يأخذ الثمن بلا خلاف، وإن كان بعد التسليم فالكلام محمول علي التهديد عند الشافعي وأحمد، أو معناه فلا يحل لك في الورع والتقوى أن تأخذ الثمن إذا تلف الثمار.