يبع بعضكم علي بيع بعضٍ، ولا تناجشوا. ولا يبع حاضر لبادٍ، ولا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها: إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر)). متفق عليه.
ــ
قوله:((ولا تناجشوا)) [((نه))]: النجش الإثارة يقال: نجش الصيد أثاره. ((قض)): هو تفاعل من النجش، وهو أن يزيد الرجل في ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها، ليغتر به الراغب فيشتري بما ذكره، وأصله الإغراء والتحريض، وإنما نهي عنه لما فيه من التغرير، وإنما ذكر بصيغة التفاعل؛ لأن التجار يتعارضون في ذلك، فيفعل هذا لصاحبه علي أن يكافئه بمثله. وعن بيع الحاضر للبادي: وهو أن يأخذ البلدي من البدوي ما حمله إلي البلد؛ ليبيعه بسعر اليوم حتى يبيع له علي التدريج بثمن أرفع، والعلة فيه تفويت الربح وتضييق الرزق علي الناس، فعلي هذا لو كان المتاع كاسداً في البلد، إما لكثرته أو لندور الحاجة إليه لم يحرم ذلك لفقد المعنى، فإن الحكم المنصوص كما يعم بعموم العلة يخص بخصوصها.
وعن التصرية: وهي أن تشد أخلاف اللبون، ويترك حلابها أياماً؛ ليجتمع اللبن في ضرعها، فيتخيل المشتري غزارة لبنه، من قولهم: صريت الماء في الحوض إذا جمعته وحبسته، وأصل الصر الجمع ومنه الصرة، وأثبت بها الخيار للمشتري إذا اطلع عليها بقوله:((فهو بخير النظرين)). وقال أبو حنيفة: لا خيار له بسبب التصرية، ولا الرد بعيب آخر بعدما حلبها، وفي الحديث حجة عليه في المسألتين. ولا يختص ثبوت الخيار بما بعد الحلب، بل لو اطلع عليها قبله كان له الرد. وإنما قيد به لأن الغالب أنه لا يحصل العلم بها إلا بعد حلبها، وإنما أوجب رد صاع تمر معها بدلاً عن الحليب الموجود في الضرع حالة العقد، وكان القياس رد عينه لو مثله، لكنه لما تعذر اختلاط ما حدت بعد البيع في ملك المشتري بالموجود حال العقد وإفضاؤه إلي الجهل بقدره، عين الشارع له بدلاً يناسبه قطعًا للخصومة، ودفعاً للتنازع في القدر الموجود عند العقد، وهذا الخيار كسائر خيار النقيصة علي الفور عند الأكثر. وما روى أنه قال:((من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام، فإن ردها رد معها صاعًا من طعام لا سمراء)) إنما قاله بناءً علي الغالب؛ لأن الوقوف عليها قلما يكون في أقل من ثلاثة أيام، فأنه لا يظهر قبله نقصان بين؛ ولأن الذي يجده المشتري في المدة لعله يحمله علي اختلاف اليد وتبدل المحل، لا أن الخيار يمتد ثلاثة أيام، وإن اطلع عليه المشتري.
قوله:((لا سمراء)) أي لا حنطة، قيل: أراد به أن التمر متعين للبدلية، ولا يجوز أن يعطي غيره إلا برضي البائع، فإن غالب طعام العرب التمر فيكون المراد منه إذا أطلق. وقيل: أراد به أن يرد مع المصراة صاعًا من الطعام أي طعام كان، وأن الحنطة غير واجبة علي التعيين، بل