٢٨٥٥ - وعن ابن عمر، قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع حبل الحبلة، وكان بيعًا يتبايعه أهل الجاهلية، كان الرجل يبتاع الجزور إلي أن تنتج الناقة، ثم تنتج التي في بطنها. متفق عليه.
ــ
((مح)): النهي عن بيع الغرر أصل عظيم من أصول كتاب البيوع، ويدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة، كبيع المعدوم والمجهول، وما لا يقدر علي التسليم، وما لم يتم ملك البائع عليه، وأشباه ذلك مما يلزم منه الغرر من غير حاجة. وقد يحتمل بعض الغرر بيعًا إذا دعت إليه الحاجة، كالجهل بأساس الدار [وكما إذا باع الشاة] مع حملها، ومع اللبن في ضرعها؛ لأن الأساس تابع للظاهر من الدار، والحمل واللبن تابعان للشاة، والحاجة تدعو إليه. وأجمعوا علي جواز غررٍ حقيرٍ كالجبة المحشوة بالقطن، ولو بيع حشوها بانفراده لم يجز، وأجمعوا أيضًا علي جواز إجارة الدار والدابة والثوب، ونحو ذلك شهرًا مع أن الشهر قد يكون ثلاثين يومًا، وقد يكون تسعة وعشرين يوماً، وعلي جواز دخول الحمام بالأجرة مع اختلاف الناس في صب الماء وفي قدر مكثهم، وعلي جواز الشرب من السقاء بالعوض مع جهالة قدر المشروب واختلاف عادة الشاربين، وتحريره أن مدار البطلان بسبب الغرر بغير حاجة، وإن دعت حاجة إلي ارتكابه، ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة، أو كان الغرر حقيراً جاز البيع. وأعلم أن بيع الملامسة والمنابذة، وحبل الحبلة، والحصاة، وعسب الفحل، وأشباهها من البيوع التي جاء فيها نصوص داخلة في الغرر، ولكن أفردت بالذكر لكونها من بياعات الجاهلية المشهورة .. والله أعلم.
الحديث الثاني والعشرون عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((حبل الحبلة)) ((فا)): الحبلة مصدر سمي به المحمول، كما سمى بالحمل وإنما أدخلت عليه التاء للإشعار بمعنى الأنوثة؛ لأن معناه أن يبيع ما سوف يحمله الجنين الذي في بطن الناقة، وقال ابن الأنباري: هو نتاج النتاج، فالحبل يراد به ما في بطون النوق، أدخلت فيها الهاء للمبالغة.
((مح)): ((حبل الحبلة)) بفتح الحاء والباء فيهما، قيل: الحبلة جمع حابل كظالم وظلمة، وفاجر وفجرة، قال الأخفش: حبلت المرأة فهي حابل والجمع حبلة، وقيل: الحبل مختص بالإنسان، والحمل بغيره، قال أبو عبيد: لا يقال لشيء من الحيوان: حبل، إلا ما جاء في هذا الحديث. واختلفوا في المراد بالنهي في هذا الحديث، فقال جماعة: هو البيع بثمن مؤجل إلي أن تلد الناقة ويلد ولدها، وقد ذكر مسلم هذا التفسير عن ابن عمر في هذا الحديث، وبه قال مالك والشافعي ومن تابعهم، وقال آخرون: هو بيع ولد ولد الناقة في الحال، وهذا تفسير أهل اللغة، وبه قال أحمد وإسحاق بن راهويه، وهذا أقرب إلي اللغة، لكن الراوي وهو ابن عمر قد